سيدتي.. اكتب اليك هذه الكلمات و قد دفعت ثمنها دموعا, اكتب اليك من سجن الزقازيق العمومي, الذي انا الآن احد نزلائه, اقضي عقوبة حبس مدتها سنة, بعد مشكلة تورطت فيها, بسبب ميراث عائلي..
الحبس ليس مشكلتي وليس سبب احساسي بالظلم, اقرب الناس يكونون احيانا اكثر قسوة وظلما من عنبر السجن..
استرجع ما مضي من حياتي, فأحس اني في احتياج لمن يسمع قصتي ويساعدني علي استكمال طريقي في الاتجاه الصحيح. انا رجل اعمال من قبيلة بدوية كبيرة ومعروفة, تزوجت في بداية حياتي وفق التقاليد والعرف في قبيلتي, والزواج مثل نبتة صغيرة, تحتاج من يرعاها ويهتم بها لتنمو وتصبح شجرة وارفة قوية, لكن زوجتي اهملتني ولم اجد معها السعادة او الحب او الحنان, ومع ذلك لم اغضب الله بأي علاقة غير شرعية, حتي جاء يوم وقرأت لوحة علي قطعة ارض للبيع وعندما ذهبت لشرائها, كانت المفاجأة, ان مالكة الارض سيدة بدوية من قبيلة اخري كبيرة, جمالها واسلوبها جذباني بقوة منذ لقائنا الاول, كانت مطلقة ولها3 ابناء, عكفت علي تربيتهم ورفضت كل من تقدم للزواج منها, لكن النصيب له الكلمة الاخيرة و القدر غالب, تزوجنا ووفرت لها شقة جديدة بالقاهرة واصبح اولادها اولادي, فأحبوني كما لو كنت والدهم وصارت هذه السيدة فرحة عمري, وعوضتني كل ما فاتني من السعادة والحنان والامان.
احببتها بجنون, وكيف لا وهي ذكية جميلة, تهتم بأن تبدو دائما جديدة وانيقة في عيني, وتشعرني دائما اني فارس احلامها, عشت معها علاقة حميمة في غاية الرومانسية وانجبت منها ولدا وبنتا.
ورغم انها كانت في عيني ملكة متوجة, الا ان الملكة كانت تغار.. تغار من كل امرأة تظهر حولي, حتي لو كانت سيدة تنتظر بجواري في سيارتها امام اشارة المرور!
اصبحت متهما طوال الوقت ان حدثت هذه او نظرت نحو تلك.. وقد ركبني الشيطان يوما بسبب غيرتها المحمومة فتشاجرنا وطلقتها وكانت صدمة العمر وكأني قتلتها.. هي الآن لا تزورني في سجني, رغم انها لا تفارق خيالي ولا احلامي ابدا..
افكر كثيرا فيها واتمني عودتنا, وبرغم انها الآن طليقتي اشعر بأني لن استغني عنها.
فهل عودتها لي ممكنة؟ ام ان صدمة الطلاق مع حساسية مشاعرها ستكون حائطا بيننا وستفسد علينا الشعور بالامان مستقبلا؟ وان كان الامر كذلك هل سيكون من الاوفق ان ابحث عن زوجة جديدة لتعتني بي عند خروجي من السجن بإذن الله قريبا؟ ساعديني برأيك حتي يأتي الله بالفرج.
أ.ع.أ
>> عزيزي القارئ السجين... ليست كلماتك وحدها, وانما الحبر الاسود والخط العربي المزخرف الانيق, الذي كتبت به العنوان والسطور الاولي من رسالتك, مع آية من القرآن الكريم اخترتها وكتبتها مرسومة ومشكلة علي ظرف الجواب..
كل هذا يخبرني كم انت متفائل وذو إحساس جميل ومرهف وعندك الحفاوة الكافية بالحياة والناس..
يقال ان حسن الخط من مفاتيح الرزق, وكما استوقفتني رسالتك, عندي احساس قوي بأنك سوف تكون موفور الحظ من الحب والسعادة في الدنيا وسوف يوسع الله عليك في رزقك من الامان والبركة في المال والعيال, خاصة وانت دائم النظر نحو المستقبل, حتي وانت في محبسك لا انت شكاء ولا بكاء, بل تقرأ الجرائد وتتواصل مع العالم الخارجي ولا تيأس من روح الله وتحسن الظن بالفرج القريب.. امثالك جديرون بالسعادة والنجاح ولن يضيعهم الله بحوله وقوته.
سبحان الله.. السجن ليس جدرانا وقضبانا وحكما من محكمة.. فبعض الناس سجناء لافكارهم السلبية المتشائمة, وبعض الناس يعيشون حياتهم موهومين بأفكار كاذبة ليس لديهم اي جرأة لاختبارها, وكأنهم حكموا علي انفسهم مؤبدا.. وسجنا مشددا في زنزانة الخوف, يعيشون ويموتون مذعورين من المجهول.. بينما من مثلك يعيش خلف القضبان وعينيه تنظر نحو النجوم في السماء وليس نحو الوحل الذي يسد الطريق.
الغيرة المجنونة قيد من الشوك وسجن كبير, وصعب علي اي رجل يتنفس الحرية, وتنبت لافكاره أجنحة, ان يطيق ظلم البقاء في هذا السجن طويلا..
في كثير من الحالات, الطلاق ليس حلا, والفراق والانفصال قد يكون خطأ قاتلا, لكن البعض يتخلي عنه ذكاؤه وايمانه وثقته بنفسه حتي يتصور انه سيحمي حبيبه او يحافظ علي شريك حياته بسياسة الستار الحديدي, التي انتهت من العالم كله, وأكثر من هذا يمعن الغيور الشكاك في تشديد الرقابة وتوجيه الاتهامات والاسئلة, لدرجة قد تحرض شريكه تحريضا, اما علي خيانته او علي( الهروب الكبير) ولو بالطلاق, حتي ينتصرلنفسه من ذل سوء الظن والتسلط, في زمن تثور فيه الشعوب وتتمرد علي الاستبداد وقمع الحرية واختراق الخصوصية حتي ولو باسم الدواعي الامنية. اي علاقة بين رجل وامرأة لن يتحقق لها( امنها القومي) الا( بمعاهدة عدم اعتداء) علي الخصوصية. وعودة اليك صاحب الرسالة, فنصيحتي الوحيدة ان تحاول استعادة قصة حبك الكبيرة مع زوجتك ام ابنك وابنتك, وظني ان المحاولة ستنجح, فقد تكون صدمة طلاقها منك وسجنك وبعدك عنها قد علموها الكثير, فإن لم يكن عذاب الفراق واعظا ولم تنفعها المواعظ, فلا خوف عليك من تجربة جديدة مع الحياة, فلست اخاف علي اصحاب القلوب و الافكار الحرة, الذين حين تسوء الامور يرتدون( قميصا واقيا) ضد الاحزان, ويجعلون الحب حارسا وليس سجانا(!)