ترددت كثيرا قبل الكتابة إليك برغم حاجتي الملحة إلي من يشاركني همي الكبير, وها أنا أكتب بمأساتي من مكتبي في عملي المسائي,
ولم يتبق علي مدفع الإفطار سوي بضع دقائق بعد أن انصرف جميع زملائي للإفطار مع ذويهم إلا أنا, فكعادتي يوميا أجتمع مع نفسي ودموعي تنهمر علي نفس المائدة, ولا أصدق ما وصلت إليه أحوالي بعد أن هزمتني الحياة وأدارت لي ظهرها مع أنني والحمد لله أحظي بحب واحترام كل من يعرفونني ويرونني بنتا جدعة وبمائة رجل وتستاهل كل خير, فالحقيقة أن لدي الكثير مما يضيق به صدري, وأريد أن أبوح لك به, فأنا جامعية مثقفة أنتمي الي عائلة لها مكانتها في بلدتنا والبلاد المجاورة, وتربيت منذ صغري علي السمع والطاعة لأبوين ميسوري الحال, وقد توفيا رحمهما الله, وأصبحنا فريسة لعمي الذي استولي علي كل شئ يخصنا حتي الشقة التي نسكن فيها, ووجدنا أنفسنا لا نملك شيئا بعد أن كان لدينا ما يكفينا لحياة كريمة, وانتقلنا الي بيته للإقامة معه في حجرة صغيرة وعاملنا هو وزوجته بجفاء شديد, ولك أن تتخيل حياتك في مكان لا يرغب أحد في وجودك به.. ودعوت الله أن يخلصني وأخوتي من هذا الجحيم.
وبعد فترة التحقت بعمل في احدي الجهات وتقدم الكثيرون للارتباط بي وكان بعضهم يفوق طموحاتي لكني رفضتهم جميعا وقلبي يتمزق كمدا لسبب ما لا يعلمه إلا اخوتي, وهو انني تعرضت في طفولتي لحادث تحرش من أحد أقاربي أفقدني عذريتي, وبعدها انطويت علي نفسي, وتملكني الخوف من كل شئ, وكنت أشعر بالفزع كلما تخيلت ليلة زواجي, وظل الأمل يحدوني في أن أجد الرجل المناسب الذي يمكنني أن أصارحه بما حدث لي, ويقبل بي كزوجة, ولم يخطر في ذهني أي شاب لم يسبق له الزواج إذ لا يوجد في مصر من يقبل الارتباط بمن تعرضت لمثل ظروفي, واخيرا وجدت رجلا عن طريق اخوته الذين يعرفون أشقائي, والتقيت به, وأفهمني انه سيعوضني عما لاقيته من ظلم, وقال لي إنه سيعيد إلي انسانيتي المفقودة, وبهرني بكلامه الحلو ووسامته وأناقته خصوصا انه من الطبقة الراقية ويتحدث بلغتها... وهو رجل متوسط العمر يكبرني بسنوات عديدة, وجلس اخوتي يفكرون في الأمر ثم رفضوه ليس لكبر سنه فقط, وانما أيضا لأنهم عندما سألوا عنه جاءت جميع الأخبار في غير مصلحته, ومن أهمها أنه تزوج كثيرا وان آخر زيجاته لم تستمر سوي عدة أيام ومع ذلك تمسكت به ودافعت عنه, وتحدثت معه أكثر من مرة, ثم جاءت اللحظة العصيبة, ففي مساء أحد الأيام صارحته بسري الخطير وامتدت المكالمة بيننا ساعات طويلة.. وأعطيته مهلة للتفكير في الأمر, فإذا وافق علي استكمال مشواره معي فعليه ألا يعايرني بما عرف عني, ولا يذكرني به, وأن يحفظ سري إلي الأبد, وإذا لم يوافق فليذهب كل منا إلي حاله وكأن شيئا لم يكن.. وجاءني رده بأن هذا الأمر لا يعنيه كثيرا وأنه لن يحملني ما لاذنب له فيه, فطرت فرحا, وأنا غير مصدقة أن هذا الكابوس قد انزاح عن صدري وتمت خطبتنا وأحببته حبا جما, وصار كل شئ في حياتي, فلا أنام ولا أصحو إلا علي صوته, وشيئا فشيئا لاحظت تغييرا في علاقته بي, فسألته عما ألم به, فقال انه مديون بمبلغ كبير وعليه ان يسدده في أقرب وقت فاستوقفني كلامه الذي لا يتماشي أبدا مع رجل ميسور الحال مثله فجميع ابنائه يدرسون في المدارس الأجنبية التي تصل مصروفاتها الي عشرات الآلاف من الدولارات, وكل ما نعرفه عن أسرته انهم أثرياء ومع ذلك عرضت عليه أن أتحمل نفقات إعادة تنجيد عفش الشقة ودهانها وشراء ما ينقص المطبخ والبيت من أدوات, وقلت له إنني في غني عن الشبكة أيضا.. وهنا ارتسمت عليه علامات السعادة, وأعطيته مبلغا لتجهيز الشقة وشراء دبلتين, فأخذه ووعدني بأن يرد إلي ما أخذه, وانه سوف يشتري لي شبكة تليق بي حين تتحسن ظروفه..
وفجأة راح يذكرني بالسر الذي صارحته به, برغم علمه ان الكلام في هذا الموضوع يرهقني ويتعبني نفسيا, وقال لي من جديد انه فخور بستر انسانة مسلمة ومحترمة, بخلاف اي انسان اخر يعرف ما حدث لي وبدا لي انه يضع السم في العسل, وكتمت أحزاني وأنا أتمني اتمام الارتباط لأتخلص من هذا العذاب.. أو هكذا تصورت!.. وفي يوم عقد القران رفض كتابة أي شئ.. لا مهر ولا شبكة ولا مؤخر صداق, ولا قائمة عفش, فاعترض عمي علي هذه الشروط الغريبة.. وهنا تدخلت اخواته ووضعني أمام خيارين أحلاهما مر, وهما إما اقناع عمي بشروط خطيبي, وإما الزواج رغما عنه, وبذلت جهدا مضنيا لكي يوافق علي طلبات عمي, فاتهمني بأنني لا أحبه ولا أقدر موقفه, وأن علي ان اثبت له حبي وأدافع عنه.. وأمام إصرار عمي علي موقفه, وتعنت خطيبي الذي هددني بأنه سيتركني, تعرضت لصدمة عصبية دخلت علي اثرها المستشفي لعدة أيام, وعندما اتصل بي للاطمئنان علي اقترحت عليه ان يوافق علي شروط عمي مقابل أن أتنازل له مقدما عن كل حقوقي منه فوافق علي مضض.
وأخيرا تزوجت في حفل بسيط وبفستان أبيض دفع اخوتي ثمنه, أما عمي وأبناؤه فلقد انهالوا علي سبا وإهانة لأنني أتنازل عما لا يصح التنازل عنه, وانتقلت الي عش الزوجية تسبقني دموعي علي حالي, فكل واحد لا يفكر الا في نفسه, حتي زوجي راح يذكرني بأن العفش الذي سأدخل عليه هو عفش أبنائه, فأكدت له من جديد تنازلي عن كل شيء ووقعت له أكثر من ورقة بذلك!
وما أن وصلت الي المنزل حتي وجدت أكوام التراب تغطي كل ما فيه بالإضافة الي أدوات المطبخ التي كانت في انتظاري, وفوق كل ذلك وجدته هو شخصيا يتهرب مني ويخبرني انه مصاب بميكروب ويخشي ان ينتقل الي, حيث نصحه الطبيب بألا يدخل بي لمدة اسبوعين حتي يكتمل شفاؤه, وكالعادة صدقته, وخلعت ملابس الزفاف وارتديت البيجامة ونظفت البيت وأعددت الطعام, وجاء أبناء زوجي ليقيموا معنا, وهم الذين كانوا بعيدين عنه من قبل, وكان ينتظر هذا اليوم لكي يعيدهم اليه.
وبعد ساعات انفرد بي زوجي, وقال لي جملة لم أفهمها إلا فيما بعد عن انه لم يكن يعلم ان حالته قد تدهورت الي هذه الدرجة في اشارة الي حقيقة مرضه, فتحملت أقداري وصرت زوجة أب مثالية لأبنائه فأصحو من النوم في السابعة صباحا لتحضير طعام الإفطار لهم وله, واتلفت حولي فأجدني وحيدة ولا يقطع صمت حياتي الا ابن زوجي الصغير الذي يناديني بكلمة ماما فأشعر معها أن كل تعب الدنيا ذهب عني,
ولما انتهت فترة الاسبوعين التي قال إن الطبيب حددها له, وجدته يتحول الي انسان آخر, فلا صوت يعلو فوق صوته ليس في العمارة فقط, وإنما في المنطقة كلها, ويضرب أبناءه بلا سبب فيتركون البيت الي منزل اخوته, ويجدني أمامه فيكمل مشاحناته معي, وتحولت شقتنا الي جحيم واكتشفت انه كاذب في كل ما قاله لي عن صحته وأمواله, فهو ميسور الحال ويضارب في البورصة وليس مديونا كما أوهمني, وعثرت علي روشتات طبية وأدوية تؤكد مرضه منذ زواجه الأول, وهو ما لم يخطر لي علي بال نظرا لانجابه, وعرفت بعد ذلك انه اجريت له اربع جراحات فشلت جميعها, وأدركت انه كان يتباهي بعلاقاته النسائية أمامي ليخفي عجزه, وهي مسألة نفسية معروفة ونصحتني طبيبة نفسية بالطلاق, وما أن سمع زوجي بذلك حتي ثار ثورة عارمة واتهمني بأنني استخدمته كجسر أعبر عليه ثم أتزوج بغيره, وسرعان ما تذكرت ذل بيت عمي, فاعتذرت له من جديد وطلبت منه أن يسامحني, فأنا ليس لي في الدنيا غيره, وبعدها لم يدع فرصة إلا وعايرني فيها بالحادث الذي تعرضت له. وكنت أرد عليه بأنه كان بإمكاني ان اجري جراحة تسترني ولا يشعر بها أحد ولدي فتوي بذلك منذ أن كان الدكتور نصر فريد واصل اكرمه الله مفتيا للجمهورية, لكني لم أفعل ذلك وفضلت ان أكون صادقة مع نفسي ومن ارتبط به, فتمادي في إيذائه النفسي لي بقوله إنه سوف يرفع دعوي ضدي يتهمني فيها بأنني زورت أوراق عقد زواجي بأنني بكر وأنا لست كذلك, فرددت عليه بل انت الذي زورت الأوراق بأنك خال من الأمراض التي تعيق الزواج وأنت لست كذلك!
وفي اليوم التالي أعلنت حالة الطوارئ في بيت اخت زوجي ودعوني علي الغداء وهناك صار الحديث علي المكشوف, فهم يعرفون مرضه من زوجته السابقة التي أبلغتهم به لأنه لم يكن يرغب في تطليقها, وبعد شد وجذب طلبوا مني الاستمرار معه, وأمام محاولات الترهيب والترغيب التي مارسوها معي عدت اليه ولكن من وصلت حاله الي هذا الحد لا يرجي شفاؤه فلقد عاد الي اهانتي من جديد فأصررت علي الطلاق هذه المرة وانا أبكي بمرارة, وأتذكر كيف كذب علي وخدعني في حين أنني قدمت له السوط الذي جلدني به هو وأهله عندما صارحته بسري, وفضحت نفسي أمامه, ولو أنني لم أفعل ذلك ما اكتشف أمري أبدا, ولرجاني أن أستره!
أيضا كان بإمكاني ان أفضحه عن طريق تسجيلات هاتفية سجلتها له قبل وفي أثناء اتفاقنا علي الطلاق, وهو يصفني بأنني زوجة ممتازة لأي رجل وأن العيب فيه, وأنه لم يكن يعلم أن حالته الصحية وصلت الي هذه الدرجة, وانني التي تكفلت بجميع نفقات الزواج, كما سجلت حديثا مع أخواته يعترفن فيه بعجزه وبالعمليات الأربع التي أجريت له في المستشفي الشهير وكذلك جزءا من حديث الطبيب عن حالته وكان هدفي من هذه التسجيلات أن أدافع عن نفسي إذا حاول زوجي وأهله ان يرفعوا دعوي ضدي كما هددوني لكي أثبت للجميع براءتي مما يحاولون تلفيقه لي ولكي يكونو علي علم بحقيقته, وأقسم بالله انني لم أهدف ابدا إلي فضحه أو ايذائه.
وتبدلت حياتي بعد الطلاق, فأقمت لدي خالي, أقمت مشروعا منزليا يدر علي دخلا لأنني لا أطيق الخروج إلي الشارع أو التعامل مع الناس, وارتديت دبلتي في يدي اليمني وادعيت انني مخطوبة وأن خطيبي سافر إلي الخارج لتكوين نفسه, وبعد سنوات تحسنت حالتي النفسية ظاهريا, بحيث أستطيع السيطرة علي دموعي بعض الوقت, وخرجت إلي سوق العمل والتعامل مع الآخرين, وأنا ارتدي النظارة السوداء حتي لا يتبين أحد ملامح الحزن البادية علي وجهي, ونصحتني صديقاتي بأن أخلع الدبلة لأنه ليس معقولا أن أظل علي هذه الحال إلي ما لا نهاية, وما أن خلعتها حتي توافد علي الخطاب للارتباط بي ظنا منهم انني فتاة عذراء, فرفضتهم جميعا, وتظاهرت بعدم التفكير في الزواج أحيانا وتعللت بأن العريس لايعجبني أحيانا أخري, والحقيقة انني علاوة علي ظروفي التي تعرضت لها, فإنني رأيت في كل منهم صورة زوجي السابق, ولذلك رفضتهم قبل أن يرفضوني, وتحولت إلي انسانة عصبية جدا مع أن طبيعتي هادئة, وصرت أعاني حالة التوهان وقلة التركيز, ولم أكن أتصور أن أصل أبدا إلي هذه الدرجة من الخوف والانكسار..
إنني أقول في نفسي دائما حسبي الله ونعم الوكيل في كل من ظلمني وظلم أخوتي, فالله يمهل ولا يهمل, وقد انعكس ظلم عمي لنا عليه وعلي أبنائه ومن اعتدي علي في صغري, وكانت أموالنا عليهم نقمة واللهم لا شماتة..
ولقد دفنت أنوثتي وآدميتي, ووضعت نصب عيني هدفا واحدا هو أن نحصل علي شقة تلم شملنا. وكرست وقتي وجهدي لهذا الهدف, فالتحقت بعملين, أحدهما صباحي, والآخر مسائي.. وأخرج من البيت في السابعة إلا الربع صباحا, ولا أعود إليه إلا في الحادية عشرة مساء حتي خارت قواي ودب الارهاق في أنحاء جسدي, ولم أعرف في قاموس حياتي معني الراحة, ولا أري الدنيا إلا من خلال التليفزيون, وما أن أغمض عيني حتي أتذكر مأساتي مع مطلقي في كابوس مستمر كأنني علي موعد معه كل ليلة.
ومر عامان ثقيلان وتمكنت بمساعدة اخوتي من تدبير مقدم الشقة التي نحلم بها, وتوجهت به إلي إحدي الشركات العقارية, ودفعته, وكان يوما سعيدا لي ولأخوتي, لكن فرحتنا لم تكتمل إذ تم القبض علي صاحب الشركة, وتبين انه نصاب محترف, وأن الأوراق والعقد الذي وقعه معي مزور, وهكذا ضاعت تحويشة عمرنا, وثار علي اخوتي ثورة عارمة, وطلبوا مني ما دفعوه لي وأنا لا حول لي ولا قوة!
لقد فشلت فشلا ذريعا في حياتي وتعرضت للبلاء في العرض والمال, فهل هذا غضب من الله؟.. إن أمنيتي الآن أن أستريح ولو بالموت, ولماذا أعيش وأنا لا أتذكر يوما مفرحا واحدا, وأمضيت سنوات عمري في السباحة ضد التيار, وصرت أخشي كل شئ من المستقبل ومن نفسي, وأخاف من الرجال كخوفي من المرض أو أشد خوفا, وكم أتمني أن يأتي وقت الغروب كل يوم بلا خوف أو دموع, وأن تصبح لي أسرة وأبناء يكونون قرة عيني وأسترد آدميتي وأسير في الشارع مرفوعة الرأس.. بعد أن هزمتني الحياة سنوات طويلة, فهل تري لي بادرة أمل؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:لقد صادفت طريقا مسدودا في كل جوانب حياتك, فلم توفقي في زواجك, وانقطعت صلتك بعمك وأبنائه بعد أن استولوا علي كل شئ يخصكم دون وازع من ضمير, وحتي المال الذي ادخرتيه مع اخوتك ودفعتيه مقدما لشقة تضمكم فقدتيه علي يد نصاب معدوم الضمير, مما أصابك بالإحباط, وتناسيت أنه لا يأس مع الحياة, وأن بإمكان الإنسان أن يتغلب علي العثرات التي تواجهه بالإيمان والعزيمة والإصرار علي تخطيها, فعليك أن تعيدي حساباتك وتدرسي البدائل المطروحة أمامك للخروج من هذه الدوامة, فأما عن الزواج فهناك كثيرون من الشباب يتمنون أن يرتبطوا بمن تتمتع بروحك الجميلة وأخلاقك القويمة, ولن يلتفتوا أبدا الي حادث لم يكن لك يد فيه, لايمس شرفك بأي حال, فهو اعتداء وجريمة تثير الشفقة عليك والحنق ضد الجناني, وأما عن مقدم الشقة الضائع ومطالبة اخوتك لك بما دفعوه فيمكنك رفع دعوي قضائية ضد هذا النصاب, وسيعود إليكم حقكم ولو بعد حين.. فلا تغلقي أبواب الأمل أمام الحل حتي لو كان صعبا, واذكرك بقول سقراط اذا كنت بين خيارين, أحدهما سهل والآخر صعب, وهدتك الموازنة بينهما الي اختيار الطريق الصعب, فإنه علي الأرجح الطريق الأسلم الأصح.
فواصلي مشوارك بعزيمة وإصرار وإياك والحزن, فلقد خابث كل الحيل, واحتار الأطباء والحكماء أمام القضاء والقدر, وأحسب أن ما أنت فيه كذلك, ولا مخرج منه إلا بالثقة في الله, وتذكري قول الشاعر:
فلا تقنط وإن لاقيت هما يقبض النفسا
فأقرب ما يكون المرء من فرج اذا يئسا
وضعي الماضي المؤلم في طي النسيان, وابني لنفسك حياة جديدة بأفكار تتطلع الي المستقبل بكل أمل ورجاء, فالقادم أفضل بشرط التخلص من أسر المتاعب النفسية التي تسيطر عليك, وأعلمي أن حياتك من صنع أفكارك, وأن الحزن علي ما لم يصبه الانسان فيها لن يجدي نفعا, فلقد حزنت علي ما تعرضت له من مصاعب وآلام, ثم ندمت علي أنك أفضيت بسرك الي من توسمت فيه خيرا, فإذا به خائن يعاني متاعب أشد مما تعانيه, ووجدك فريسة سهلة لكي يثبت لأهله ومن حوله كذب وادعاء من طلقهن, ولا يريد الاعتراف بأن أي إنسان صحيح قد يتعرض للمرض في أي مرحلة من عمره, وأن الأمل دائما في الله لكي يفرج عنه ما هو فيه, ولو أنه فعل ذلك منذ البداية لاستمر مشوار زواجكما بلا ألم ولا ضغينة.
ولكن عندما تكشفت لك حقيقته المرة, ومع تصرفاته غير الطبيعية معك, فإنك وجديتها فرصة لإثبات أن به عيوبا ونقائص خطيرة, فسجلت له من أحاديثه وكلام اخواته والطبيب الذي يعالجه ما يؤكد مرضه, لكي تستخدمي هذه التسجيلات عند اللزوم, وهكذا صار كل منكما ممسكا بدلائل عيوب الآخر, وبالتالي أصبحت العشرة بينكما مستحيلة, وكان لابد من الانفصال, وعلي أي حال فكونك مطلقة لا يعني أن بك عيبا أو أن هذا شئ يشينك, ولكن معناه أنك ضللت الطريق الي الرجل المناسب.
فإياك والشعور بالضعف, فلا شئ أثقل علي النفس من هذا الإحساس الذي يفقد المرء إيمانه وقوة عزيمته, فاستعيدي وجودك وكيانك فالمستقبل مازال أمامك طويلا وتستطعين بناء حياة جديدة بعد أن تسقطي هذه التجربة المريرة من ذاكرتك, وازرعي في نفسك الحب والرضا والقناعة, وعيشي في سلام مع من حولك, وسوف تصلين الي ما تحبين, وليكن منهجك من الآن فصاعدا قائما علي قول الحق تبارك وتعالي وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد, وقوله واذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان, فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي, لعلهم يرشدون, أسأل الله في هذه الأيام المباركة أن يلهمك الصواب, ويبث في نفسك الطمأنينة, ويكتب لك السعادة.. إنه علي كل شئ قدير.