بعدما انتشر مرض "
الإيدز" وتبعه "
سارس"
وغيره من الأمراض التى إجتاحت العالم وأهلكت الآلاف من البشر, حاول
العلماء كثيرا التصدى لمثل هذه الأمراض ولكن طالت بهم الرحلة حتى وصلوا إلى
طرق مسدودة, إلا أن المحاولات المستميتة التى تبنوها خرجت إلى النور
أخيرا, وذلك بعدما إكتشفوا طرقا لمحاربة وعلاج هذه الأمراض, فقاموا بالحد
منها .
ولكن كما إعتاد البشر على المواجهة دائما حتى ولو فيما بينهم, ظهر "طاعون" جديد أهلك العشرات من الضحايا فى فترة قصيرة جدا, فيروس "
كورونا"
أو "مرض العصر" كما يجب وصفه, نظرا للشراسة التى يفتك بها ضحاياه من البشر
وكذلك الحيوانات التى لم تسلم منه, ومن هنا تبدأ الحكاية...
سباق محموم للحد من انتشار الوباء وتطوير العقاقير واللقاحات الفعالة ضده
قال الدكتور "عبد الحفيظ يحيى خوجة": يعتبر فيروس "
كورونا"
مرض العصر فى الوقت الراهن، حيث إن معظم هذه الفيروسات تصيب الخلايا
الظهارية في الجهاز التنفسي أو المعوي، مما يتسبب بالتالي في حدوث ظاهرة
وبائية كالتي نمر بها الآن.
ويكمل "خوجة" قائلا: تعتبر ال
كورونا في الحيوانات من الفيروسات المتوطنة التي تصيب الأجهزة المعوية والتنفسية،
مما ينتج عنها إسهال شديد, ولكن كيف تسنى لها أن تتحد مع الفيروس البشري؟
وكيف ظهرت بشكلها "الجديد"؟ وما هي العوامل التي جعلتها قادرة على الانتشار
بشكل فعال؟ وكيف ظهرت فجأة في المجتمعات البشرية؟
* أسئلة غامضة
- الكثير من الأسئلة الغامضة يقف أمامها العلماء حائرين، ويسعون وجميع
المتخصصين لمعرفة الإجابة عليها, حيث أكدت عالمة الفيروسات الدكتورة "إلهام
طلعت قطان"، المتخصصة في علم الفيروسات الممرضة والجزيئية عضوة هيئة
التدريس بجامعة طيبة وعضوة الجمعية الأميركية للفيروسات وأمراض الكبد وعضوة
هيئة تحرير مجلة "العلوم الأوروبية"، فعادت بنا إلى شهر فبراير (شباط) من
عام 2003 عندما قام الدكتور "كارلو أوروباني" بمستشفى فيتنام بإبلاغ منظمة
الصحة العالمية عن انتشار فيروس يسبب متلازمة تنفسية حادة مع حالات وفاة،
عندها تم تعريف الحالات ودراسة التوزيع الجغرافي لها مترافقا مع الفحوصات
السريرية والمسح المختبري لتحديد المسبب المرضي، وجرى التحذير من السفر
والحجر الصحي للحد من انتشار المرض.
وكان من الجيد اكتشاف أن الفيروس المسبب لهذه المتلازمة يمكن عزله من
الرئتين ومن البلغم أيضا، وباستخدام المجهر الإلكتروني مع الجهاز التضاعفي
تم تعريفه على أنه "الفيروس التاجى corona" .
* تحور الفيروس
- وتضيف د. "قطان" أن الوضع يتفاقم بالشكل السيئ مع فترات الحضانة القصيرة
(2 - 7 أيام) للفيروس إضافة إلى أن العوامل الأخرى المتعلقة بالمرض
والاختلافات للفيروس من خلال تحوراته واندماجه مع الأنواع الأخرى داخل
العائلة، تزيد من خطورة الفيروس الذي قد يؤدي إلى الوفاة.
أن الأمصال البشرية التي تم جمعها واختبارها تشير إلى أنها لا تحتوي على
الأجسام المضادة الموجهة ضد هذا الفيروس، مما يدل على أن هذا الفيروس هو
تحور جديد للفيروس التاجي على البشر.
وأن الانتقال إلى البشر عن طريق هذا النوع من التحور على الحيوان أو عن طريق إعادة التركيب بين عدة
كورونات
بشرية أو حيوانية يجعل الفيروس الناشئ شديد الخطورة ويمتلك صفات تجمع بين
الأنواع المتحورة منها إضافة إلى شراسة فتكه وبالتالي يفشل الجهاز المناعي
للتعرف والقضاء عليه، وهنا تصبح الحاجة ماسة وضرورية لإجراء دراسات على
الأمصال البشرية من المنطقة التي تفشى فيها المرض لتأكيد هذا الاستنتاج
وهذا الطرح.
وبمقارنة جينات هذا الفيروس مع الجينات المماثلة له من الفيروسات المعروفة
من البشر (والخنازير والأبقار والكلاب والقطط والفئران والجرذان والدجاج
والخفافيش، والديك الرومي) اتضح أن لكل جين 70 في المائة أو أقل من الهوية
مع الجين المقابل له في نفس العائلة الواحدة, كما أن هذه البيانات تظهر أن
الفيروس المتحور الجديد كان متوطنا بالحيوانات أو نوع من الطيور، وقد تم
عزله وراثيا لفترة طويلة جدا بطريقة أو بأخرى ليظهر فجأة فيروس خبيث يصيب
البشر .
* تصورات العلاج
- تجيب د. قطان: مع الأسف، لا توجد أدوية مضادة للفيروس معتمدة وفعالة،
ومع ذلك فإن الكثير من الشركات الطبية قد يكون لديها الآن الهدف لتطوير بعض
العقاقير المضادة له, وعندئذ من المهم من الناحية العلمية معرفة أن عدوى
فيروس ال
كورونا تبدأ بملازمة البروتين (S)
الموجود على المغلف الفيروسي حيث يتصل بالمستقبلات الخاصة على الغشاء
الخلوي. وبفعل التغيرات والتحورات المختلفة فإن هذا البروتين (S) يؤدي إلى الاندماج كخطوة أولى في الإصابة بالفيروس التاجي .
ونحن نركز على العلاج لأن الفيروس يصعب زراعته مختبريا وبالتالي يصعب
تكوين أو إنتاج لقاح مضعف للتحصين ضد الإصابة به وانتشاره, ولكن هذا ليس
مستحيلا فمع تطور العلم الجزيئي الحديث يمكن التلاعب بإنشاء فيروس مختبري
يشبه الفيروس الأساسي مع فقدانه القدرة على إحداث العدوى وبالتالي إمكانية
إنتاج لقاح يعتمد نجاحه على عوامل كثيرة قد تكون قابلة للنجاح أو الفشل،
وهذا يستغرق زمنا بحثيا ليس بالقصير.
وعلى ما يبدو تم إصدار بعض العقاقير والمثبطات بواسطة إحدى شركات الأدوية
العالمية التي هي في مرحلة اختبار إفراز النشاط المضاد للفيروس, ولحسن الحظ
فإن العقاقير المضادة لهذا الفيروس والتي سيتم تطويرها لعلاجه قد تكون
فعالة أيضا في علاج نزلات البرد الشائعة مثل الأنفلونزا وبعض الالتهابات
الرئوية الأخرى.
وفي نحو 10 في المائة من المرضى تكون هناك عوامل أخرى محددة تتزامن مع
الحالات الشديدة بالشكل الذي معه تكون مميتة، إذ تلعب دورا في تطور المرض
وحدته، ومع ذلك، ولأن فترة الحضانة قصيرة جدا، فإن اللقاح إذا تم إنتاجه لا
بد أن يكون استخدامه بشكل وقائي، وسيكون من غير المرجح الوقاية منه بعد
التعرض.
* استراتيجية وقائية
- أوضحت د. قطان أن خروج هذا الفيروس عن نطاق السيطرة الآن وفي هذا الوقت
يجعل الحد من انتشاره أمرا صعبا بالذات عند الافتقار لوجود استراتجيات
واضحة للحد من انتشاره, ومن المفارقات العجيبة أن يراقب العالم بفارغ الصبر
سباق المخاطرة بين انتشار الوباء وتطوير العقاقير واللقاحات الفعالة ضده.
وقد تتضارب المصالح! إن ال
كورونات
التاجية التي ظهرت في الشرق الأوسط وشكلت تهديدا على الصحة العامة على
الصعيد العالمي من شأنها في نهاية الأمر أن تشكل إلهاما للباحثين
والمسؤولين في مجال الصحة لإيجاد الحلول لمكافحة تفشيه في المجتمعات .
كما أن المعرفة الجيدة ودراسة التوزيع الجغرافي للأنواع والسلالات مهمة
جدا حيث إن الفيروس قد يظهر انتشارا محدودا على الأقل من شخص لآخر على
النطاق الجغرافي. وقد حثت مؤخرا منظمة الصحة العالمية (WHO)
على مراقبة الكشف عن الفيروس في جميع أنحاء العالم، مع التركيز بشكل خاص
على المجموعات البشرية التي تعاني من التهاب الرئة سواء الحاد أو المزمن،
وخصوصا عند العاملين في مجال الصحة. ويقول علماء الأوبئة، إن التهديد غامض
ويتطلب المراقبة الصحية والوقائية والوبائية عن كثب، من خلال التحقيق
والسيطرة على أي مجموعات جديدة من حالات الإصابة البشرية التي قد تكون
مؤشرا على أن الفيروس قد تكيف على الانتشار بين الناس بسهولة أكبر.
* مرض خطير
- ويذكر ديفيد هيمان، رئيس وكالة حماية الصحة في المملكة المتحدة ورئيس
سابق لبرنامج الأمراض المعدية في منظمة الصحة العالمية خلال فترة ظهور وباء
ال
سارس عام 2003، أن فيروس ال
كورونا لا يزال محدودا لمنطقة الشرق الأوسط ولا تظهر أي علامة على الانتشار
بسهولة بين الناس، ويؤكد هيمان أن الفيروس يسبب الالتهاب الرئوي الحاد
والفشل الكلوي مع معدل وفيات لأكثر من 30 في المائة، وأضاف أنه يشكل مرضا
خطيرا، بل أكثر في خطورته من المشتقات المتحورة لفيروس الأنفلونزا.
في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن هناك
أربع حالات في السعودية، توفي فيها شخصان. وقد كشفت الاختبارات عن ال
كورونا في عينات تتكون من 11 شخصا تم قبولهم مع أعراض تنفسية خطيرة إلى مستشفى في
الأردن. وفي أبريل (نيسان) 2013 تم رصد الفيروس في حالتين قاتلتين أخريين،
هذا يدفع إلى الوراء أول تاريخ معروف من ظهوره قبل عدة أشهر، ويمثل أول
دليل للعدوى خارج السعودية وقطر.
* إجراءات وقائية
- الحاجة إلى توعية المجتمع وتثقيفة صحيا وتوضيح كيفية الوقاية للحيلولة
دون انتشار المرض مع الأخذ في الاعتبار وضع استراتجيات ضابطة لمحاولة تعقب
المرض والاتصال بالأهالي والبحث معهم عن الأعراض وإجراء الاختبار للكشف عن
الفيروس، وعزل المصابين في محاولة لوقف انتشاره.
إن فرق منظمة الصحة العالمية والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية
منها في أتلانتا، تتحذ أتم المساعدة لبلدان الشرق الأوسط وبالذات السعودية
لتعزيز المراقبة أثناء فترة الحج في المملكة وتجهيزها لحالة التأهب
القصوى.
كما ينبغي زيادة رصد الأجسام المضادة لفيروس ال
كورونا في السكان على نطاق أوسع للمساعدة على خفض معدل الوفيات الذي قد يرتفع.
وعلى سبيل المثال إذا كان كثير من الناس في مناطق قريبة من الحالات قد
تتحول لديهم الأجسام المضادة للفيروس، وبالتالي قد يظهر لديهم تطور مرضي
خطير.
إن التفاعلية والجدول الزمني يشير إلى زيادة عدد الوفيات والتي ترتبط
مباشرة بالفيروس الذي يسبب هذا المرض. وتوضح الحالات المبلغ عنها حديثا أن
الفيروس قد استمر على مدى فترة من 5 أشهر على الأقل دون معرفة توزيعه
جغرافيا على مساحة واسعة مما يوضح أن المدى الجغرافي له غير دقيق في الفترة
الحالية رغم أن الدلائل تشير إلى انتشاره في بعض المناطق الشرقية من
المملكة وارتباطه بالمسطح الجغرافي فيها الأمر الذي يكون طبيعيا بالنسبة
لجميع الفيروسات حيث ترتبط أنواعها بالمسطحات الجغرافية والمناخية. وتتحذ
منظمة الصحة العالمية الاحتياطات والتوصيات الوبائية Molecular Epidimioligyلتوسيع المراقبة تحسبا لظهور الفيروس في دول أخرى.