بريد الجمعة الظالم.. أبي! ....... 18/11/2011 أنا سيدة في أوائل الثلاثينيات, ترددت كثيرا قبل أن أكتب لك هذا الخطاب, ولكني كنت متابعة جيدة لأبي الروحي, رحمه الله, وأدخله فسيح جناته, الأستاذ عبدالوهاب مطاوع, حيث كانت ردوده علي الرسائل المنشورة تعينني علي ما أنا فيه, وتقويني, والآن أكتب لأخي الأكبر, والأرحم علي كل من طرق بابه, حيث سأقص عليك حكاية درة قلبي, ست الناس, وست الحبايب, أمي الغالية, أعزها الله, وأعزك. نحن ثلاثة إخوة, رزقنا الله بأم طيبة من نساء الزمن الجميل, خجولة, عفيفة, عزيزة النفس, كانت تحب أبي كثيرا, حيث تزوجا في سن صغيرة, بينما كان أبي عاملا, يسافر ليكسب رزقه, ويجني المال لأسرته, وبعد سنوات أكرمه الله, وفتح عليه أبواب رزقه, وفي هذه الأوقات كانت أمي تنتظره في منزلنا, تربي أولاده, وتحفظ شرفه, وماله, وساعدته كثيرا حتي وقف علي قدميه, وفي المقابل كان أبي يرسل لها طالبا أن تبني البيت, فترد عليه بأنها بنته طوبة طوبة, كما بنت أولادها, وربتهم خير تربية, وكانت سعيدة جدا بكل ماتفعله. لم تدم هذه السعادة طويلا ـ ياسيدي فقد بدأ أبي في علاقات, ونزوات, وسكر, ومحرمات, ثم مخدرات, فصبرت أمي, ودعت أن يهديه الله, فاستقر به الحال بالزواج بأخري, ومن هنا بدأت مأساة حبيبة القلب, قرة العين أمي الغالية, فقد تحول أبي إلي رجل آخر, يعاملها معاملة سيئة, يضربها, ويسبها, وعندما تواجهه, يقول لها: إنت كبرت خلاص, مع العلم أن أمي كانت وقتها صغيرة في الأربعين من عمرها, وكانت المصيبة عندما طردت زوجة أبي, أمي من المنزل, لتجلس هي فيه, وأولادها, حيث أنجبت كثيرا حتي لايتركها أبي, وبالفعل تركنا أبي ياسيدي إلي مصير مجهول, لكن رحمة الله دائما أوسع, حيث قام أخوالي, وخالاتي, رحمهم الله جميعهم, برعايتنا, مع أن حالهم جميعا لايتعدي الستر ولكن بركة الله, ورحمته كانت ترضينا, وتكفينا, وفي الوقت نفسه كان أعمامي, وعماتي, علي النقيض, فعندما كانت تشكو أمي لهم, كان الرد جاهزا دائما: ماذا نفعل, وكثيرا ما أغلقوا أبوابهم في وجوهنا, أنا وإخوتي, وأمي. سيدي.. نحن لم نعش مثل الأطفال, فمن كان يمرض منا يشفي ببركة الله, فلم ننعم بـلعبة أو فسحة, أو مصروف أو حتي سندويتش في شنطة المدرسة, كنا نوفر طقة طعام, حتي نجدها في اليوم التالي, أما عن الملابس, فقد كنا ننتظر واحدة من خالاتي صباح كل عيد لتفرحنا بملابس قديمة, أو جديدة ـ لايهم ـ المهم أن نجد مانستر به أجسادنا, وكنا نستقبلها بفرحة وسرور, بينما كانت خالتي الأخري تهل علينا في العيد الكبير بعد الصلاة مباشرة بقطع من اللحم علي قدر إمكاناتها, فكنا ننتظر هذا اليوم من العام الي العام. أما خالتي الثالثة, فكانت عندما تقبض معاشها كل شهر تزورنا ومعها فرخة هدية لنا, وكان هذا يوم عيد آخر لنا. عشنا كل هذا ـ ياسيدي بينما كان أبي يحيا مع زوجته, وأولاده الجدد, لايدري عنا أي شيء.. المهم كبرت أختي الكبري, حتي وصلت إلي السابعة عشرة من عمرها, وجاء من يطلب يدها للزواج, فذهبت أنا وأمي إلي أبي لنخبره بأمر الزواج, فقال لأمي.. وأنا مالي, فبكت أمي, وتوسلت إليه, فلم تحصل منه سوي علي صفعة علي وجهها أفقدتها الأمل في أي مساعدة لأختي, لكن ـ كما قلت سابقا كانت رحمة الله أوسع ـ فقد أسهم خالي وخالتي, علي قدر استطاعتهما في تجهيز أختي, حتي كتب الله لها الزواج, ولم يحضر أبي, وعمي هو الذي كتب عقد الزواج كتر خيره!! ولم يحضر أحد من أهل أبي, حتي لاتغضب زوجته عليهم. مرت السنون, وأبي علي حاله, ووصل عمري إلي الثامنة عشرة, وجاء لي عريس من عائلة محترمة, وفرح أهل أبي به كثيرا, واتفقوا معه علي الجهاز, ووافق أبي, وكنت لا أصدق أن أبي سيجهزني, وأحسست ساعتها أن ضميره استيقظ, وتم عقد قراني, وعندما جاء ميعاد الجهاز ذهبت لأبي, ومعي عريسي, وكان عمي عنده وقتها, وقلت له: هيابنا لكي تختار لي الجهاز, فقال بالحرف الواحد: جهاز إيه, ثم رد عمي سامحه الله ـ هو يجهزك ويظلم اخواتك, فأخبرتهما أن زوج المستقبل سيطلقني فقالا: يطلق, وفيها إيه, انهرت ساعتها ياسيدي, وانطفأت الفرحة في قلبي, وكدت أموت حزنا, أنا وأمي وأختي وأخوالي وخالاتي من هذا القهر والظلم, ولم يصبر الزوج ـ كما توقعت ـ ولكن قرر أن يطلقني خوفا علي أولاده في المستقبل مما سيحدث لهم, سامحه الله هو أيضا.. الغريب ياسيدي أنه بعد طلاقي جاء أبي, وضربني ضربا شديدا, وسألني: ماذا فعلت معه كي يطلقك؟ واتهمني بأنني وضعت سمعته في الأرض. بعدها تغيرت حياتي, فقد أصبحت مطلقة, ـ إن صحت العبارة, ولذا اهتممت باستكمال دراستي, وعملت ليل نهار, كي أعيش حياة كريمة أنا وأمي, ولانحتاج لأحد, ورحلت خالاتي الحبيبات, واحدة تلو الأخري, كما رحل خالي الحبيب, وحزنت أمي حزنا شديدا, حتي ضعف بصرها, من شدة البكاء علي الأحباب واجتهدت ان ارسم علي وجهها الابتسامة, وفعلا ـ ياسيدي عشنا انا وهي حياة كريمة, وكنت اعاملها علي انها ابنتي الصغيرة الضعيفة, وكنت اساعد اختي الكبري لأن حياتها بسيطة وعندها اولاد كثيرون وتعمل, وساعدت اخي في زواجه لأن عمله غير مستقر, وكانت امي حفظها الله دائما تدعو لي, وكنت أطيعها واساعد حسب مقدرتي لأن من جرب الحرمان والقسوة والفقر يشعر بمن يعاني ويذوق طعم ما في فمه, وكنت آخذ امي عند اهل ابي واكرمها كي أعوضها عما فعلوه معها, وكانوا يستقبلونها بترحيب شديد, لأن ابي ذهب عنه المال, وبقي له معاشه الصغير فقط, وأصبح رضا زوجة ابي لايهم,( شفت الدنيا ياسيدي)! وجاء إلينا أبي آكل شارب نايم بل إنه كان يسرقني في مال أو ملبس أو حذاء أو جهاز لزواجي كي يعطيه لزوجته لترضي عنه, ويمشي وأتشاجر معه, ويقسم بأنه لم يأخذ شيئا, وأبكي واقول له لماذا تفعل هذا بنا حرام عليك يصمت وينظر الي نظرة باردة, وجاء لي الكثير والكثير من الخطاب لكني كنت اخاف من مصير هذه السيدة( أمي) لدرجة اني كنت افكر لو جري لي شيء وفارقت الحياة ماذا ستفعل؟ لكن كانت هي حزينة بسببي لأني لم اتزوج, ولايوجد عندي بيت واطفال, ودائما تدعو لي لأني كبرت, ودخلت علي مشارف الثلاثين, ولم اتزوج, وجاء لي رجل طيب مستور الحال ـ احمد الله عليه ـ وتزوجت, وجهزت نفسي, والحمد لله, وكنت أحمل هم امي, وقبل زواجي ذهبت لابي وتوسلت اليه ان يرحم ضعفها, وهرمها, ومرضها, وضعف نظرها, ويتقي الله فيها, وقال ان شاء الله, وبعد زواجي كنت أتدبر مبلغا تبقي معي, اساعدها دائما, وأبي منذ زواجي لم يقترب من المنزل لأن من تفتح البيت ذهبت, وأمي لاحول لها ولا قوة, تذهب لأختي واختي تذهب اليها, لكن هذا الزمان من يقدر علي تحمل نفسه, وعائلته, الله يعينه, وأمي عزيزة النفس لاتريد ان تثقل علي احد, لا تذهب لأحد منا كي لاتثقل علينا, اعزها الله, وأخي ظروفه صعبة لكنها بعد زواجي كبرت جدا, ومرضت ايضا, ولم تعد تأخذ الدواء, ولم تأكل مثلما كانت معي أعانك الله ياامي الحبيبة ـ عندما أحدثها أسمع أنينها في حديثها, قلبي ينفطر بين ضلوعي من الألم, لأن مابيدي شيء كانت تقول لي دائما أنت ظهري انت صبري, وانكسر ظهرها بعد فراقي لها, ورجوت الزمان أن يعود بي, لكي لا أتزوج, لكني كبرت, وكنت أتمني أن أكون زوجة وأما والحمد لله أكرمني الله, وهذا من دعاء امي لي. ارجوك ياسيدي أن تساعد هذه المرأة العجوز التي تعدت الخامسة والسبعين عاما, ولايعولها أحد, أرجو ان تساعدها وتقف بجوارها انت واصدقاء بابك الكريم, اقسم بالله ترددت كثيرا جدا قبل كتابة رسالتي لكني طرقت ابوابا كثيرة, ولم يستجب احد, وأخيرا استخرت الله وكتبت رسالتي ويعز علي ان اكتبها بعد ان عشنا معا حياة كريمة, وكنا لانسأل احدا, لكن دوام الحال من المحال, والله دائما حكمته عظيمة, لايعلمها الا هو, وعلينا الرضا بقضائه لكن احس بتأنيب ضمير يطاردني منذ عام ونصف العام لاني تركتها واحوجتها, لكن مابيدي اي حيلة, وزوجي لم يعلم شيئا عن هذه التفاصيل, لأني اكرمت نفسي وأمي كي لايهينني احد, والآن لا أعرف ماذا افعل, لدي أمل في كرم الله ورحمته بعباده, كي يجعلك سببا في سترها, ورفع الأحزان والألم والحوجة من صدرها, بارك الله فيك وعليك. ارجوك ان تساعد امي الغالية في ان نجد مايساعدها علي العيشة, ويعولها فيما تبقي من عمرها, انها لاتنام من شدة التفكير في اليوم وغدا, وكيف سيمر يومها مستورة, ولاتسأل احدا, ساعدها ساعدك الله, وأعطاك وفك كربك واراح قلبك. وفي النهاية اقول لابي ماذا استفدت, هل سعدت بما فعلت. ام أنك لم تشعر بما فعلت, ذهبت وراء نزواتك وملذاتك وشهواتك ومحرماتك, احببت نفسك فقط, ولم تحب غيرها, لكن أريدك أن تسألها, هل هي راضية بما فعلت, لو كان الله لم يعطيك المال والبنين ما كنت فعلت, لكن الله دائما يعطي عبده كي يري ماذا سيفعل بنعمه, وأنت ياأبي لم تصن النعمة, ولم تشعر بنعم الله, عليك, فزد فيما تفعل فإن الله اكبر ويمهل ولايهمل! > سيدتي.. والدتك العزيزة خير مثال للأم المصرية, الصابرة, المكافحة, المتحملة, الراضية بقضاء الله وابتلائه.. ومثلها يستحق حياة أفضل مما هي عليه الآن, ووالدك صورة مثل بعض الآباء الذين يجهلون أو يتجاهلون دورهم الذي كلفهم به الله سبحانه وتعالي كرعاة مسئولين عن رعيتهم, وأنهم سيسألون أمام الله عما فعلوه بأبنائهم وزوجاتهم.. لا أعرف ياعزيزتي إذا كان الكلام سيجدي مع والدك الذي أغرته الدنيا وأنسته نزواته ورغباته مسئولياته, وهل يعرف أن عدل الله قد يتأخر لكنه لايغيب وأن انتقامه سبحانه وتعالي لايتحمله بشر, وأن الفرصة مازالت مواتية للندم والتوبة ومحاولة إصلاح ما أفسده بيديه. سيدتي.. لم أفهم لماذا لاتصطحبين والدتك للإقامة معك؟ هل زوجك يرفض ذلك, أم أن الأزمة في الإمكانات المادية؟ فإذا كانت الأخيرة, فيمكننا مع أهل الخير تقديم مساعدة مالية شهرية تكفي مصاريف الأم الغالية.. فهي تحتاج إلي الحنان والاهتمام منك أكثر من أي نقود.. أما إذا كان زوجك يرفض وكذلك زوج شقيقتك الأخري, فهل المطلوب إدخالها دارا للمسنين؟.. إذا كان هذا هو الحل من وجهة نظرك وسترحب الأم الحبيبة بذلك, فأرجو إخباري بذلك. أما لو كان هدفك هو المساعدة المالية فقط, فهذا يستدعي دراسة الحالة وإمدادنا ببعض المستندات والأوراق التي تؤكد صعوبة الوضع المادي, وبإذن الله سيصبح كل صعب يسيرا.. وإلي لقاء قريب بإذن الله. |