صباح الخير يا سيدة بريد الجمعة..هل تحبين أن تعرفي قصة حقيقية واقعية عكس كل ما يكتبه المؤلفون في أفلام السنيما وعكس كل المثاليات التي تتحدث فيها برامج التليفزيون بغير علم ولا دراسة هل عندك متسع ووقت ليعرف الناس الحقيقة دون رتوش درامية ؟ إذن إليك قصتي من بدايتها أنا الابنة الكبري في أسرتي, وهي فرع في عائلة كبيرة معروفة بالاسم في المحافظة التي تمتد فيها جذورنا ونمتلك فيها أراضي زراعية بمساحات واسعة نسبيا أعطتنا من زمن السيط والغني معا.
تعلمت انا واخوتي تعليما جيدا, وبسبب التعليم تركت مدينتنا الصغيرة والتحقت بجامعة القاهرة, تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعملت بعمل مرموق ومميز من بعدها.
كانت مشكلتي في مطلع شبابي اني كنت مغرمة بالتفوق والتميز انبهر بالنجاح والناجحين, وربما لهذه الاسباب تعطل احساسي بكل من هم في سني من الشباب المعجبين والمغرمين, خاصة من كان فيهم في بداية حياته العملية او متعسرا ماديا.
تأخر زواجي وانشغلت بالنجاح والتقدم في عملي, وتكرر سفري خارج البلاد لنيل الدرجات العلمية او في مهام عمل, حتي وجدت نفسي في نهايات الثلاثين دون زواج, فلا قصص الحب عشت ولا تدخل العائلة وعرسان الصالون نفعوا,حتي العريس الذي اجبرتني الضغوط العائلية علي قبوله في احدي المرات, اعدت له دبلته وفسخت الخطبة بعد حفل اعلانها بأسبوعين!
قبل ان اتم الاربعين تزوجت اخيرا ربما بفعل النصيب, وربما لان زوجي كان احد الرموز الناجحة في مجال عملي, وابهرتني ثقافته وعقله الواعي وكان للحق شريفا وطيبا وكال لي المديح والتشجيع واحاطني بالحب والاهتمام والهدايا الصغيرة التي كانت تعني لي وقتها منتهي الرومانسية والرقة فشعرت معه بالامان وتزوجنا رغم فارق السن الكبير, ورغم اني كنت زوجته الثانية بعد انفصاله عن زوجته الاولي, لكنه اشترط علي قبل الزواج شرطا مهما, وهو الا ننجب, ونتفرغ للسفر والعمل والنجاح والاستمتاع دون اعباء نفسية ومادية قال انها لم تعد تلائمه وهو في سنه المتقدم وسبق له ان انجب3 ابناء كبار من زيجته الاولي, وكان احدهم فاشلا في دراسته ومرتبكا نفسيا ومشاكله كثيرة ومعقدة لدرجة جعلت زوجي يري( الخلفة) مغامرة غير مجدية ومعاناة وصداعا مستمرا ولا يطيق ان يكررها علي نفسه ولو تخيلا او في تجربة جديدة.
والحق اني وافقت علي الشرط الاساسي لزواجنا, وكنت بكل تفاؤل وحسن نية اتصور ان الامور ستتغير فيما بعد وقد يتراجع عن مخاوفه وتعصبه, ان جدت في الامور امور, في الحقيقة لم ارد ان اخسره بسبب احتمال ضعيف خاصة اني وهو نفسه لسنا صغارا في السن.
بعد زواجنا عشت معه سعيدة وراضية, لكني افتقدت الاحساس بالامومة وحاولت معه مرارا وتكرارا لنحاول الانجاب بمساعدات بسيطة من الطبيب, لكنه رفض رفضا قاطعا لدرجة جمدت واساءت لعلاقتي المباشرة به وهددت بانفصالنا فعلا, وبعد حوالي سنة من الخناق والمحاولات والتماس كل الاساليب والوساطة ممن يهتمون لامرنا ايضا, اصر زوجي علي موقفه واضطريت صاغرة لقبول هذا الشرط المجحف وكأن اتفاقنا وزواجنا بلغة القانون عقد اذعان, المزايا كلها والارباح لزوجي واتحمل انا وحدي التكلفة والخسائر.
بعد فترة شعر زوجي بشيء من الذنب تجاهي وحاول ان يحسن من احساسي ولكن مع ابقائه علي شرط الاذعان المعروف.
فوجئت به يسألني عن الجمعية الخيرية التي تكفل الايتام, وكنت اتردد عليها وامارس فيها بعض الانشطة منذ عدة سنوات, وبسبب ضغط العمل والزواج, ابتعدت عن الانشطة التطوعية بين الناس ولم يعد يربطني بالجمعية غير مبلغ ارسله لهم كل شهر(كفالة يتيم).
شجعني زوجي علي كفالة الطفلة التي كنت احبها واتحدث له عنها وعن طرائفها منذ عرفتها ايام ترددي علي الجمعية
كان اسمها( فرح), فسألني زوجي ما رأيك؟ لو تحبين انا علي استعداد لننقلها وتعيش معك في البيت ويمكن ان نتمم الاجراءات تبع شروط الشئون الاجتماعية, كي تصبحين اما لها بالكفالة والقانون, ولا تشعرين بالوحدة او الحزن لافتقاد الاطفال.
فكرت في الامر ثم تحمست وفرحت بهذه الخطوة الشجاعة من زوجي العطوف, وبالفعل ذهبنا وتممنا اجراءات الكفالة القانونية وعدنا ومعنا فرح وكان عمرها ايامها7 سنوات.
كانت ذكية بشكل واضح وجريئة وضحوكة,وادهشتني كثيرا باتساع حيلتها وحسن تصرفها خاصة انها تعودت الاختلاط بالناس الذين كانوا يترددون علي الجمعية الخيرية باختلافهم, فكانت اجتماعية ومتفوقة في النشاط الرياضي خاصة السباحة, واصبحت اخرج بها للنادي والمناسبات العائلية واصطحبها للرحلات والمدرسة وفصول الموسيقي ومحلات الملابس والسنيما, كما لو كانت ابنتي تماما.
ما اجمل ان تعيش اي امرأة مع طفل حتي لو طفل واحد.. مخلوق صغير ضعيف يشعرها باحتياجه الشديد لها,يقول لها( ماما), تعلمه وتتعلم منه وتفرح به وهو يكبر امام عينها وتندهش لكلماته وردود فعله كما لم تندهش او تفرح من قبل.
قد يكون هذا هو المقطع الرومانسي السعيد من القصة, لكن هناك تكملة اخري لم نخطط لها ولم نتوقعها لأننا بالقطع نرفضها, لكن الحياة فيها كل شيء, كبرت فرح وصارت امام عيني( آنسة) في سن المراهقة قرب عامها السابع عشر, وتغير كل المخطط له.
اصبحت تكذب كثيرا جدا, لا تريد ان تبقي في يدي ولو دقيقة, كل حياتها اصحاب مجهولون علي النت والفيس بوك او اصحاب فاشلون وسيئو السلوك من ابناء بعض الجيران او زملائها في الدراسة.
وغير الكذب والتمرد والصراخ والرفض واهمال دراستهاوعدم التزامها بأي طلب يطلب منها, اكتشفت بالمراقبة الطويلة ان لها علاقات مشبوهة بشباب سيئ السمعة وأشك انها تورطت بعلاقة جسدية مع احدهم, وانه صار يسيطر عليها سيطرة كاملة, لدرجة انها قد تنفق عليه آخر مليم معها او تطاله يدها من بيتنا.
في الفترة الاخيرة اختفي قرطها الذهبي واختفت ساعتي الغالية واختفت بعض الاقلام المذهبة التي تخص زوجي..
وفي احدي خناقاتي الشديدة معها, صاحت في وجهي وقالت ماذا تريدين مني؟ انت لست امي.. لماذا تربيني وتتحكمين في؟ انا لست ابنتك انا بنت حرام.
في البداية صدمت وتعاملت معها علي انها تنتقي كلماتها من الافلام العربي او تمر بأزمة مراهقة حادة او حتي تمارس سلوك الجيل الجديد المنفلت الذي تعانيه كل البيوت وكل الامهات تقريبا.
لكني حين هدأت وفكرت مليا,صارحت نفسي انها ليست دمي ولا حتي من صلب زوجي, الذي اخفيت عنه كثيرا جدا من مشاكلها ومصائبها علي امل اني سأتكفل وحدي باصلاح الامور.
لكن صوت العقل الان عال اسمعه في اذني كل يوم يقول:
فرح لها جينات غير جيناتي وطبع غير طبعي,العرق دساس وربما خلقها الآن هو حقيقة ما كان عليه امها او ابوها والا ما تخلوا عنها او تركوها.. الله اعلم.. الاطفال في هذه الجمعيات يختلط فيهم اليتيم واللقيط وطفل الشارع المشرد او الفقير الذي عجز اهله عن تربيته بسبب الفقر الشديد, فأيهم تكون فرح؟ وهل هي التي سترث من المكتبة والبيت والحلي وحساب البنك وفوق ذلك السمعة واسم العائلة الاخير؟
بحسابات العقل هذه الفتاة لن يرجي منها خير لي او لغيري او حتي لاسمي وذكري من بعد موتي.
حبي لها وتعبي في تربيتها وايام الامومة الجميلة التي عشتها معها مزقتني, محاولاتي في تقويم سلوكها كلها فشلت, وفي النهاية اضطريت لمصارحة زوجي واتخذنا قرارنا بإعادتها الي حيث كانت والتنازل بالاجراءات القانونية عن كفالتها, قبل ان نكتشف لها مصيبة اكبر تورطنا اكثر في هم ثقيل يورث المرض حتي الموت او يجرجرنا لمسئولية جنائية تستوجب العقاب او السجن.
لقد ندمت اشد الندم اني فرطت في حقي في ان يكون لي ابنا من دمي ومن صلب زوجي له نفس ملامحي وصفاتي, اما كفالة اليتيم بإخراجه من جمعية خيرية وتربيته في البيت فهي مغامرة فاشلة طالما تجاوزت المساعدة المادية والعطف والزيارة من بعيد لبعيد.. وشكرا.
س.ب.م
عزيزتي الأم البديلة
اتفهم تماما منطقك ودوافعك والضغوط الشديدة التي اوصلتك لهذا الاحساس حتي تتخذين هذا الموقف الحاسم و القرار الصعب.
لكني اخشي ان تظلم كلماتك اطفالا آخرين من الذين يحب الله من يحبهم ويكرم كل من اسدي اليهم خدمة أوسعي اليهم بإحسان.
كثير من مشاهير وكبار الاطباء والشعراء والكتاب والفنانين في مصر والعالم, حكوا عن طفولتهم وسنوات عمرهم الاولي التي قضوها في ملجأ للأيتام, بعضهم تربي في بيت خاله او جده او كان يأكل معظم وجبات يومه من يد جارة طيبة كانت تفتح له بيتها وتربيه وسط عيالها.. افتقد كثير من الاطفال عناية الاب وحنان الام ورغم ذلك رعت السماء مواهبهم ولم يحرموا من فرص التعليم ووفرت عناية الله لهم قلوبا رحيمة ونفوسا خيرة تعلقت بهم واخذت بأيديهم الصغيرة الضعيفة حتي عبروا الطرق المزدحمة والخطرة.
ليس معني الاحسان بالضرورة, ان كل طفل يتيم او مشرد نقابله في الطريق او نصادفه في جمعية اهلية, نأخذه معنا للبيت, ونتولي المسئولية القانونية عنه وكفالته بالكامل معنويا وماديا وتعليميا لآخر المشوار.. لا يكلف الله نفسا الا وسعها, يكفي جدا ان تقدم لهذا الصغير الضعيف ولو ابتسامة تزرع في نفسه الامان.
انا اعرف سيدة كانت تعمل بالخارجية وكانت تتبرع بدرس خصوصي في اللغة الانجليزية مرة كل اسبوع لاطفال احد الملاجئ!
كل يمد يد العون حسب طاقته وامكانياته. وان كان الله قد اعطاك القدرة والجرأة والرحمة معا حتي تكفلتي بطفلة ليس لها احد, اكثر من10 سنوات متصلة, فتلك منحة ومتعة, وشباك فتحه الله لك علي الجنة, فكيف بعد هذا الفضل العظيم تأسفين, وكأنك اضعت طاقتك وعمرك هدرا او نثرا منثورا؟
اعلم خيبة املك فيما وصلت اليه الآن ابنتك(بحكم التربية والكفالة), ولست اعارضك في فكرة اعادتها الي حيث كانت, طالما نفد صبرك وانتهت الي هذا الحد طاقتك وقدرتك علي احتمال مسئوليتها انسانيا وقانونيا, ولكن ايا كانت النتيجة, يجب الا تندمي ابدا, لقد احسنتي صنعا وبذلتي قصاري جهدك وحاولتي انقاذ الغريق, وليس مطلوبا منك ان تغرقي معه ان اشتدت الريح وعلت الامواج وكادت تقلب المركب كله وانت فيه( لا ضرر ولا ضرار).
عزيزتي الام التي اختارت ان تكون بديلة وتنازلت بإرادتها عن حقها العادل في الامومة الطبيعية..
معظم النساء اللائي ضحين بالانجاب من اجل التفوق في العمل او من اجل انانية الزوج او مستلزمات الشهرة والنجومية, شعرن بالندم بعدها, علي الاقل بسبب مقاومة وانكار الطبيعة البشرية, التي تشد كل انثي نحو غريزة الامومة, والمضحك في الوقت نفسه ان النساء اللائي استجبن بسرعة لغريزة الامومة, يصرخ معظمهن ايضا من افعال اولادهن وعناد وجحود فلذات اكبادهن!!
(الجيل الجديد مادي جدا وجحود واناني ولا يأتي من ورائه غير وجع القلب) كم مرة سمعتي هذه الجملة, من ام او اب بين اصدقائك و معارفك؟
ضعي مشكلة فرح في حجمها الطبيعي, والتمسي لها العذر بسبب ارتباك نشأتها وظروف تربيتها الاستثنائية, الطفل الذي ينشأ في ملجأ يعيش علي التبرعات ويفتح ابوابه للزائرين.. اي زائرين, يتعرض فيه الطفل لعلاقة مباشرة مع اشخاص يختلفون في هيئتهم وافكارهم وطريقة كلامهم واعمارهم ومستواهم الثقافي والمادي,وعلي الطفل ان يحيي كل ضيف ويبدي له نفس الاهتمام والاستجابة ان امكن, وهنا تتشتت افكاره واحساسه بالسلوك الصحيح والآخر المرفوض.
بالتجربة الواقعية يتكون عند الطفل الذي يتربي في مثل هذا الظرف ميل للكذب والنفاق ولو لكسب الحب والقبول و تحقيق مكاسب صغيرة قريبة.
والمؤسف ان ينشأ الطفل متطرفا وعصبيا وعنده مفاهيم كثيرة مشوشة وغير سليمة بسبب ان بعض الجمعيات, بما فيها ذائعة الصيت متعددة الفروع, تقبل علي حس هؤلاء الاطفال تبرعات بالملايين من جميع انواع العملات العربية والاجنبية, وتكدس بأسمائهم المال في البنوك, وقد تشتري لهم لعبا وملابس فاخرة من اجل المظاهر والدعاية, لكنها تعتمد في تربيتهم علي فتيات ريفيات صغيرات من القري والنجوع القريبة للمدينة, يتقاضين اقل اجور, ولا يملكن اي قدر يعتد به من التعليم او الوعي او التدريب والمهارة.
ان كانت للكلمة تأثير يذكر عند اصحاب القرار, لتحرك فورا المجلس القومي للامومة والطفولة, وبحث وفتش عمن يربي الايتام في الجمعيات الخيرية؟ وكيف يربيهم؟ واي افكار مسمومة او متطرفة او ملغومة يزرعها في نفوسهم وعقولهم,دون رقابة او حماية من الدولة والوطن الام؟
اما ان كان للنصيحة تأثير يذكر عندك يا صاحبة الرسالة,فوجهة نظري ان تبذلي محاولة اخيرة وتستعيني بالطب النفسي المتخصص في مشاكل هذه المرحلة العمرية, وان لم يفلح العلاج أعيديها الي حيث كانت ونامي وضميرك مستريح, لأنك بشر بقدرات البشر ولست بقدرات اله يقرر المصير ويصنع اقدار الخلق.
( ارض بما ليس منه بد), عبارة قالها الحكماء قبل ميلاد المسيح بنحو400 سنة, وما احوجنا ان نتذكرها الآن كي لا يستعمرنا القلق ولا الندم ابدا.