مقاله عبد الرحمن يوسف
هكذا يقول المثل الشعبى «حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنالك الغلط»!
هذا المثل يستطيع أن يلخص لك الحياة السياسية فى مصر بدون فذلكة أو جهد.
غالبية من يتحدثون فى شؤون السياسة اليوم يتحدثون بهذا المنطق، فإذا تحدثوا عمن يوافق آراءهم تجدهم يبلعون الزلط مهما بلغ سوء الأداء، ومهما بلغت المخالفات التى وقع فيها الشخص أو الحزب الذى توافقوا معه، إنهم لا يرون أى عيب أو خطأ فى فريقهم، وإذا افترضنا أنهم رأوا فإنهم يسكتون، ويصبرون، ويعذرون، ويبررون.
أما إذا تحدثوا عمن يخالفهم فى آرائهم وتوجهاتهم، فإنهم ينقبون على أى هفوة لكى يتم استغلالها، وتضخيمها، وإضافة بعض الكذب لها، حتى تصبح الحبة قبة، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة، وحتى لو كان ذلك ينال من سمعة الدولة المصرية، ويضر المواطنين المصريين.
ترى اليوم مشكلة مثل مشكلة جامعة النيل، مازالت فى مكانها، «محلك سر»، وطلبة الجامعة مازالوا فى الشارع، معهم حكم قضائى نهائى، ولكن لا أحد ينظر لهم، الكل يصعر خده لهؤلاء الطلبة المساكين، والسيد الوزير الدكتور حسام عيسى يتصرف مثلما تصرف من سبقوه، والدكتور زويل فى سدرة منتهى المجد لا يمسه أحد.
السيد الوزير كمال أبوعيطة الذى وعد بحل مشكلة الحد الأدنى والأقصى للأجور خلال أيام، مضى على وجوده فى الوزارة ما يقرب من شهرين، والأمور مازالت كما هى، ولم يتغير أى شىء، ولا يبدو فى الأفق أى بادرة تغيير لأى شىء أصلا!
مشاكل «عهد مرسى» من كهرباء وماء وغيرها، بدأت بالعودة مرة أخرى لتنغص حياة المصريين.
كل ذلك يحدث، ولكن الإعلام الذى يحب هذه الحكومة أخرس، ولا أحد يتحدث، ولا أحد يربط بين حركة وزير أو محافظ وبين أى كوارث تحدث هنا أو هناك، ولا أحد يسخر، ولا أحد يتسطيع أن يعترض على أى شىء، فقد عاد أغلب العاملين فى المجال إلى جبنهم القديم مع أول عين حمراء رأوها!
إن سياسة بلع الزلط لا تدل سوى على أننا بحاجة ماسة إلى نخبة جديدة، وأن هذه النخبة الجديدة سيكون أول صفاتها أنها من الشباب، لأن العجائز العجزة الذين يملأون الدنيا بنظرياتهم المتخلفة لم يعودوا صالحين للمسؤولية اليوم، إنهم ضيوف على عصرنا، وما أثقلهم من ضيوف.
إن المسؤولين الذين تجاوزوا السبعين والذين يقفون عاجزين أمام كل المشاكل التى عجز من قبلهم عن حلها، لن يستطيعوا بعد أيام قليلة إلا أن يتحججوا بالحجج الفارغة نفسها، وسنسمع منهم الكلام نفسه، وسنراهم يصرحون: «الدولة العميقة تعيق عملنا، المظاهرات ترهق الاقتصاد، الاعتصامات خربت البلد...»
تسألنى أين ومتى سمعت هذا الكلام وهذه الحجج؟
تسألنى أنا؟
أنت أدرى يا عزيزى!