لا أعرف كيف أبدأ رسالتي إليك, ولا كيف أصف لك مشكلتي, فلقد تعودت ألا أتحدث مع الآخرين في شيء يخصني,ولذلك لم أبح يوما بما أعانيه لأحد.
فالحقيقة انني لا أثق فيمن حولي, ولا أطمئن إلي البوح بأسراري إليهم, ولما ضاقت بي السبل أمسكت بالقلم, وكتبت ببعض ما أعانيه, وما ينغص حياتي, عسي أن أجد لديك حلا يخفف متاعبي ويزيح عن كاهلي بعض همومي, فأنا سيدة في الخامسة والثلاثين من عمري, تزوجت وأنا طالبة بالجامعة, وأحببت زوجي حبا صادقا, ووجدت معه السعادة التي كنت أنشدها, وقد ساعدني كثيرا علي إتمام دراستي, حتي تخرجت في كليتي وحصلت علي دبلوم الدراسات العليا من كلية التربية, وبذلت جهدا كبيرا للعمل في مجال التدريس, ولم يحالفني التوفيق وقتها نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها مصر, وانتشار البطالة بين الخريجين, فتفرغت لرعاية أبنائي.. وبعد سنوات عاودتني الرغبة في العمل, فأخذت أبحث في الوظائف الخالية عن وظيفة مناسبة لي والتحقت بإحدي المدارس كمعلمة بالحصة, واستمررت في هذه الوظيفة عاما واحدا, ثم أبعدوني بلا أسباب مفهومة مع أن هناك كثيرين أصغر مني سنا وأقل كفاءة, ومع ذلك تم تثبيتهم, وليس الاستغناء عنهم كما حدث معي, ولم أيأس, وأوكلت أمري إلي الله, وصبرت علي أوضاع كثيرة مؤلمة في علاقتي بزوجي الذي تغيرت معاملته لي بعد كل هذه السنوات من العشرة الطيبة والمعاملة الحسنة الصادقة برغم انني لم أسئ إليه أبدا, وحرصت علي نيل رضاه في كل شيء.
وبعد ثورة25 يناير2011 تجدد حلمي في العودة إلي العمل بعد أن صدر قرار بإعادة من كانوا يعملون بالتعاقد, وتم الاستغناء عنهم وحدثته فيما اعتزمته, وكانت المفاجأة أنه رفض باصرار عملي, وامعانا في تعنته ضدي اقسم يمينا بالطلاق ألا أعمل.. ومعني ذلك انني سأصبح طالقا إذا خرجت إلي العمل... ولم أصدق ما قاله فأعدت عليه طلبي, فكرر القسم.. فعل ذلك بعد خمسة عشر عاما من ارتباطي به وانجابي ثلاثة أطفال, ولم تفلح توسلاتي إليه بحاجتي إلي الوظيفة ماديا ومعنويا, وأنا لست مبذرة ولا أتطلع إلي المال, وأراعي الله في زوجي ولم أنظر يوما إلي ما ينفقه علي نفسه, وكل ما تمنيته هو أن أسير علي نهج والدتي بأن نعيش حياة متوسطة, وأن نعمل حسابا للزمن, فزوجي شخصيته لها مواصفات خاصة, فهو مدخن ولديه سيارة ويملك مكتبا للأعمال الحرة يعمل فيه سكرتارية وموظفون, ولكنه ليس من حقنا أن نطلب السيارة في أي مشوار, فهي خاصة له, أما نحن فنركب المواصلات, هل تتخيل انني لم أستقل السيارة معه إلا مرات معدودات, وفي ظروف معينة مثل يوم الولادة حيث أخذني إلي المستشفي عندإنجابي أبنائي, ولذلك أخذت علي نفسي عهدا ألا أطلب منه شيئا, وأن أدير شئون البيت في حدود ما يوفره لي, ولكني حاولت أن أسري همي بأنه أفضل من غيره, وكان مبعث اطمئناني إليه أنه يبثني حبه باستمرار.
وبمرور الأيام لاحظت تغيرا واضحا عليه, وبالمصادفة أمسكت هاتفه المحمول فإذا بي أجد عليه أرقاما ورسائل غرامية لسيدات بعثن بها إليه ردا علي رسائل بعثها اليهن, وآلمني ذلك كثيرا, فانطويت علي نفسي, وبكيت بشدة, وأنا أسترجع شريط الذكريات معه واعتصرتني كلمات رسائل الغرام علي المحمول ألما. لكني بعد تفكير طويل قررت ألا أفاتحه في هذه المسألة حفاظا علي كرامتي وماء وجهي.
ثم انتقلنا إلي بيت جديد بعيدا عن بيت العائلة الذي كنا نعيش معهم فيه, ولم تمر أسابيع حتي لاحظت ارتياحه إلي أسرة جار لنا, وحثني علي استضافتها علي العشاء مرات عديدة, وكلفني باعداد الطعام لهم, وكنت أضطر إلي مجاملتهم والترحيب بهم, وسألته ذات مرة عن سر هذه العلاقة التي ربطته فجأة بهذه الأسرة تحديدا وخصوصا اننا لانعرف عنهم شيئا, فرد علي بأن جارنا رجل طيب, وانه ارتاح للتعامل معه منذ انتقالنا إلي مسكننا الجديد, وهكذا تبادلنا الزيارات, وشيئا فشيئا تغيرت معاملته لي, فلم يعد هناك شيء يعجبه أو يرضيه, فأحسست بأن هناك أمرا غامضا يحجبه عني, فسعيت إلي معرفته, وزرت مكتب زوجي الذي لم أدخله من قبل مع أنه في الدور الأرضي لبيتنا, ووجدت فيه رقم هاتف جارتنا, وتتبعت مكالماته فوجدته يهاتفها في منتصف الليل, وهي بالمناسبة تعيش بمفردها, حيث إن زوجها يعمل في محافظة أخري, ولا يزورها إلا مرة كل اسبوع, وهزني ما يفعله, ولم أتمالك نفسي, فواجهته بما عرفته, فلم ينكر انه يتصل بها, وقال إنها هي التي بدأت الحديث معه للشكوي إليه من تصرفات زوجها معها, وقد طلبت منه أن يساعدها لأخذ حقها منه أو الإصلاح بينهما, فكتمت أحزاني من جديد والتزمت بيتي برغم الجرح العميق الذي سببه لي, وتضرعت إلي الله وكلي أمل أن يزيح عني هذه المتاعب النفسية, فما أقسي الخوف والتردد, وزاد من اندهاشي من هذه العلاقة ان زوجها يمتاز بصفات كثيرة تتمناها أي امرأة, فهو مريح ويحبها ويغار عليها, كما علمت من زياراتها المتكررة لنا.. وعند هذا الحد قررت أن أقطع علاقتي بها بشكل غير مباشر, وقد أحس بذلك فعاملها أمامي معاملة عادية ولم يعد يتحدث معها كثيرا, وهدأت ثورته ضدي.. أما أنا فقد ركزت كل جهدي لأولادي, وظل في يقيني أن الصبر هو السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة, ومازلت أعمل بهذا المبدأ, لكن خوفي يزداد يوما بعد يوم من المستقبل وبالذات من ناحية علاقاته النسائية, ومن جهة عودتي الي العمل أيضا, إذ أخشي ألا أجد ما أسد به رمق أولادي بعد أن فقدت الفرصة الأخيرة لي بسبب يمينه بالطلاق, كما أن زوجي باع مشروعه الذي تعثر تماما, ويصرف علينا من ثمنه, ومازال يرفض بإصرار مجرد تفكيري في العمل, لقد فكرت في ترك البيت له والإقامة مع أبي لكي تتاح لي فرصة البحث عن وظيفة مهما يكن الثمن, لكن أبي وبرغم انه ميسور الحال يفضل اخوتي الذكور ويريدني ألا أترك بيت أسرتي الصغيرة, ثم علي الجانب الآخر فإن موقف زوجي من جارتنا كما هو لم يتغير, وأشعر أن شيئا ما يدور بينهما لا أعلم تفاصيله.. وهكذا أصبحت أسيرة القلق والخوف مما قد يحدث في المستقبل؟ فكل الشواهد ترشح حياتي الزوجية للقلق وربما الفشل, فبماذا تنصحني؟.
◘ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: لماذا كل هذا القلق من أشياء لا يد لك فيها, وليس بإمكانك السيطرة عليها, فما تعانينه من هواجس قاتلة لا أري لها سببا واضحا, فبالنسبة للرزق, لا تقلقي من أي تعسر, لأن الله هو الذي تكفل بالأرزاق في قوله تعالي: وفي السماء رزقكم وما توعدون, وهو القائل أيضا ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها, وما يمسك فلا مرسل له من بعده.
وإياك والسخط, إذ قل ان يسلم الساخط من الشك الذي يدخل قلبه ويتغلغل فيه, واعلمي أن الرضا واليقين في الله مصطحبان, وان الشك والسخط قرينان, وهذا هو معني الحديث الموجود في الترمذي اذا استطعت أن تعمل بالرضا مع اليقين فافعل, فإن لم تستطع فإن في الصبر علي ما تكره النفس خيرا كثيرا, فالساخطون ناقمون من الداخل غاضبون ولو لم يتكلموا, ويسألون أنفسهم أسئلة كثيرة, ولا يجدون عليها إجابة, مما يجعلهم في قلق دائم وخوف لا نهاية له.
ومن الأسباب التي تجعلك هادئة مطمئنة أن تكوني حسنة الظن بالله, فالله تبارك وتعالي يقول في الحديث القدسي أنا عند ظن عبدي بي, فليظن بي ما شاء, فأنت لم تقصري في شيء وبذلت أقصي ما في وسعك, سواء في طلب العمل, أو السعي الي إرضاء زوجك بالتفاني في خدمته والسهر علي رعاية أولادكما, كما أن الصبر مفتاح الفرج, والصبور يدرك أحمد الأمور, علي حد قول عبدالله بن مسعود, ولتعلمي أنه ما أكثر أن يأتي الأمن من ناحية الخوف, وفي ذلك يقول الشاعر:
واذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالحوادث كلها أمان
من هنا فإن ما تفكرين فيه من الخروج الي العمل خشية عدم قدرة زوجك علي تلبية احتياجات الأسرة لا يخرج عن كونه خوفا من شيء لا دخل لك به, ليس من باب أن الرزق بيد الله وحده, ولكن أيضا لأن الأسرة مسئولية الزوج والأب, ولا يظهر دور الزوجة إلا في حالة غياب الزوج أو عجزه, وهذا ما لا ينطبق علي حالتك.
أما من ناحية زوجة جاركم التي يتحدث معها في منتصف الليل بحجة سعيه لحل مشكلاتها مع زوجها, فإنه يرتكب خطأ فادحا, سوف يجره ـ اذا تمادي فيه ـ الي ما لا تحمد عقباه, فالعلاقة مع الجارات أو الزميلات أو السيدات عموما ينبغي أن تكون في إطار محدد لا تخرج عنه الي الحديث المنفرد في المسائل العائلية.
واذا كان يريد أن يحتفظ بعلاقة طيبة مع جاره, فليتوقف عن هذه العلاقة المشبوهة مع زوجته, وليتق الله فيك وفي أولاده, وعليك الا تقصري في حقه, وأن تشعريه دائما بأنه كل شيء في حياتك, حتي تصفو نفسه, ويدرك أنه لن يعوضك بكنوز الدنيا ونسائها.. اسأل الله له الهداية, ولك الهدوء وراحة البال بعيدا عما يختلج في نفسك من شكوك وآلام, وهو وحده المستعان.