حيثيات إلغاء سجن أحمد عز في قضية غسل الأموال وإعادة محاكمته.. أدلة حكم الإدانة لا تكفي لتوافر القصد الجنائي
أودعت
محكمة النقض حيثيات حكمها الصادر يوم "الأحد" الماضي بنقض "إلغاء" الحكم
الصادر من محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة رجل الأعمال أحمد عز بالسجن لمدة 7
سنوات، وتغريمه مبلغ 19 مليار جنيه، في قضية اتهامه بغسل الأموال المتحصلة
من جريمتي التربح والاستيلاء على المال العام، وإعادة محاكمته أمام إحدى
دوائر محكمة جنايات القاهرة، غير التي أصدرت حكمها بالإدانة.
صدر الحكم برئاسة المستشار أحمد علي عبدالرحمن، وعضوية المستشارين
السعيد برغوث، وتوفيق سليم، وأشرف محمد مسعد، وأحمد رضوان – نواب رئيس
محكمة النقض.
قالت محكمة النقض: إن حكم الجنايات (بالإدانة) لم يبين الأفعال التي تم
بها غسل الأموال، وتاريخ كل فعل من تلك الأفعال، وحجم الأموال التي تم
غسلها في كل فعل، والفترة الزمنية التي تم فيها غسل الأموال، ومقدار كل جزء
من المال الذي أخضعه أحمد عز لعمليات بنكية معقدة، وكذلك عمليات الاستبدال
والتحويلات المصرفية والعقارات والمنقولات التي اشتراها من تلك الأموال،
والشركات الوهمية التي تم تأسيسها بالداخل والخارج حصرًا.
وأضافت المحكمة أن حكم الإدانة لم يبين كذلك أفعال غسل الأموال التي
تمت داخل جمهورية مصر العربية، وتلك التي تمت خارجها، وما إذا كانت الأفعال
التي تمت في الخارج قد تمت في دول تعاقب على جريمة غسل الأموال من عدمه..
لافتة إلى أن الحكم اقتصر في بيانه لواقعة الدعوى على الحديث عن الأفعال
المادية التي ارتكبها أحمد عز، وأغفل الحديث عن الركن المعنوي، ولم يحدد
على وجه الضبط المبالغ محل الجريمة التي ربط لها المشرع عقوبة تعادل مثلي
الأموال كغرامة، الأمر الذي يتعذر معه على المحكمة (النقض) تبين مدى صحة
الحكم من فساده.
وأشارت المحكمة إلى أن ما أورده حكم الجنايات على سبيل التدليل على
توافر أركان جريمة غسل الأموال عموما، لا يكفي لتوافر القصد الجنائي بشقيه
"العام والخاص" ولا يسوغ الاستدلال به، موضحة أن الحكم اكتفى بعبارات عامة
مجملة لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض.
وذكرت محكمة النقض أنه كان يتعين على محكمة الجنايات أن تنتظر صدور
أحكام باتة في شأن الجرائم مصدر تلك الأموال "في قضيتي تراخيص الحديد،
والاستيلاء على شركة الدخيلة"، موضحة أنه لا مجال للحديث عن جريمة غسل
الأموال ما لم توجد أموال متحصلة من مصدر غير مشروع ويشكل جريمة، ولذلك يجب
إذا لم تكن هناك دعوى جنائية مرفوعة بشأن جريمة المصدر، أن تتولى المحكمة
التي تنظر جريمة غسل الأموال إثبات جريمة المصدر أولًا ثبوتًا يقينيًا؛
لأنها شرط مفترض في جريمة غسل الأموال، أما إذا كانت الدعوى الجنائية قد
رفعت بشأن جريمة المصدر، فإنه يجب على المحكمة التي تنظر دعوى غسل الأموال
أن تتريث حتى يصدر فيها (جريمة المصدر) حكم بات؛ لأن القاعدة أن الحكم الذي
يفصل في مسألة أولية، تكون له الحجية أمام المحكمة الجنائية، حتى ولو مع
عدم توافر وحدة الخصوم.
وأضافت محكمة النقض أنه في ضوء ما تقدم، فإنه كان يجب وفقًا لنص المادة
222 من قانون الإجراءات الجنائية، وقف دعوى غسل الأموال وأن تنتظر المحكمة
إلى أن يتم الحكم في جريمة مصدر الأموال بحكم بات؛ لأن القول بمعيار كفاية
الدلائل على وقوع جريمة المصدر بمجرد توافر النموذج القانوني، هو معيار
غير منضبط، ويتنافى مع مبدأ الشرعية الجنائية، ويؤدي إلى نتائج غير مقبولة
ومتناقضة في أحكام القضاء، ومن ثم تكون المحكمة "الجنايات" قد أخطأت في
تطبيق القانون بعدم انتظار صدور حكم جنائي بات في جريمة المصدر.
وأشارت المحكمة إلى أن السلوك الإجرامي الذي ارتكبه المتهم في الواقعة
محل الطعن، يتمثل في الإيداع والسحب، وربط الودائع، وتحويلات، واستبدال
عملات محلية بعملات أجنبية والعكس، وإصدار شيكات، وشراء عقارات، وسيارات،
وتأسيس شركات، وزيادة أصول شركات قائمة، ومن ثم فهي أفعال تتم وتنتهي في
لحظة واحدة، ولا تتطلب تدخلًا لاحقًا من الطاعن "أحمد عز"، وبالتالي فإن
جريمة غسل الأموال في الدعوى هي جريمة وقتية.
وأوضحت المحكمة أنه لا عبرة في هذا الشأن بالزمن الذي يسبق ارتكاب هذه
الأفعال في الاستعداد لارتكاب الجريمة، ولا عبرة أيضًا بالزمن الذي يلي
ارتكابها، والذي تستمر آثاره الجنائية في أعقابه؛ لأنها لا تحتاج إلى تدخل
متتابع ومتجدد من المتهم.
وقالت المحكمة إن الحكم المطعون فيه حدد تاريخ الوقائع التي دان أحمد
عز عنها بأنها خلال الفترة من 2003 وحتى 2011، ثم عادت وحاسبته عن وقائع
حدثت منذ عام 1999 وحتى 2011، بما لذلك من أثر في الغرامة الأصلية
والإضافية التي قضى بها، وتحديد مقدارها تحديدًا دقيقًا، ورد على دفاعه بأن
الاتهام المسند إلى عز تضمن وقائع سابقة على تاريخ سريان قانون غسل
الأموال في 23 مايو 2002، بما يخالف القانون.
وأكدت المحكمة أن ذلك الأمر يكشف عن اختلال فكرة الحكم عن عناصر
الدعوى، وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة بالصورة التي تجعلها في حكم
الوقائع الثابتة، مما يعيب الحكم بالتناقض، ويكون الأمر ليس مقصورًا على
مجرد خطأ مادي، بل يتجاوزه إلى اضطراب ينبئ عن اختلال فكرة الحكم من حيث
تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة، مما يعجز محكمة النقض من مراقبة
صحة تطبيق القانون على حقيقة الواقعة، ويعيب الحكم بالتخاذل والاضطراب
والتناقض، وهو ما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه، والإعادة دون بحث باقي
أوجه الطعن.