أثيوبيا تهدد مصر بخفض كهرباء السد العالى
30% وتقليل مياه النيل 18 مليار متر.. والحكومة "لا حس ولا خبر" و الرى
تعترف بالكارثة.. علام: سيؤدى لتبوير 2 مليون فدان.. رسلان: نواجه مأزقا
إستراتيجياً السبت، 20 أبريل 2013 - 06:16
السد العالى
لم يعد هناك مجال للشك فى أن مصر أمام كارثة حقيقية الشهور
المقبلة بعد اعترافات خبراء معنيون فى هذا الملف بأن أثيوبيا ماضية فى
مشروعها لبناء سد النهضة، وأنها ستقوم فى سبتمبر المقبل بتغيير مسار النيل
الأزرق الذى يمد مصر بحوالى 60 %، وأن هذا السد سيقلل إيرادات مصر والسودان
بحوالى 18 مليار متر مكعب وخفض الكهرباء المولدة من السد العالى وخزان
أسوان بحوالى 25-30%.
ورغم هذه المعلومات التى خرجت منهم فى مؤتمر رسمى عقده قسم الرى بكلية
الهندسة جامعة القاهرة عن سد النهضة وتاثيره على مصر إلا أن هذا لم يبدو
أنه لم يحرك ساكنا لدى رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل والذى كان بالأساس
يعتبر أكثر الخبراء بالملف باعتباره تحمل حقيبة وزارة الرى خلال تولى
المجلس العسكرى شئون البلاد، وبعدها أصبح المسئول الثانى فى الدولة بعد
الرئيس د.محمد مرسى، ومع هذا لم يتحرك خطوة واحدة تجاه وقف الكارثة.
مازال الصمت الرسمى هو البطل فى معركة المياه التى تعد قضية أمن قومى
بالدرجة الأولى، ليس لخطورة سد النهضة على مياه النيل والرى، ولكن تأكد أن
مصر لن تسلم من خطورة ضربة مزدوجة وهى نقص إنتاج الكهرباء بأكثر من 25 %،
فلن تكون قضية الكهرباء فى مصر هى نقص الغاز أو توقف المحطات أو تردى
الصيانة والحاجة لتخفيف الأحمال لبضع ساعات بالتبادل بين المحافظات والمدن،
فلن يتم تخفيف الأحمال فقط بل قد تعيش محافظات كاملة فى ظلام دامس وحكومة
قنديل "لا حس ولا خبر"، بما يجعلها شريكا فى مؤامرة ضد مصر.
وعلى الرغم من تولى الدكتور هشام قنديل حقيبة وزارة الرى لفترة ليست قليلة
استطاع خلالها الإلمام بكافة جوانب الأزمة المصرية مع دول حوض إلا أن رئيس
الوزراء، لم يسير على خطى سابقيه من رؤساء الحكومات والذين كانوا يبدون
اهتماماً كبيراً بالملفات التى تولوه من قبل، لكنه كسر جميع القواعد
المتعارف عليها، وترك الملف الأول فى مصر والذى يعلم مدى خطورته و تهديده
للأمن القومى والمائى، حتى واصل التوغل الأثيوبى هجومه مهدداً مصر من كافة
الجوانب بإرسال الاتفاقية الإطارية إلى البرلمان والتصديق عليها واستكماله
لبناء "سد النهضة" وتغيير مجرى نهر النيل فى سبتمبر القادم.
وفى الوقت الذى تستعد فيه دول حوض النيل لعرض اتفاقية "عنتيبى"، لإعادة
تقسيم مياه النيل على برلماناتها للتصديق عليها، وبعدها تصبح سارية
المفعول، تؤكد جنوب السودان الدولة "الوليدة" التى أضيفت إلى دول الحوض بعد
انفصالها عن السودان، انضمامها إلى الاتفاقية المثيرة للجدل، فى حين تستمر
الحكومة المصرية فى تجاهلها للملف تماماً، وكأن الأمر عادى ولا تأثير له
على مستقبل مصر المائى.
الخبراء ينتقدون موقف الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، فى التعامل مع ملف
الخلاف مع دول حوض النيل حول إعادة تقسيم حصص المياه، والحقوق التاريخية فى
مياه نهر النيل، مشيرين إلى أنها نفس الخطى التى كان يسير عليها وقت توليه
حقيبة الرى، وهو ما يعكس عدم وجود خطة فى التعامل مع دول حوض النيل.
واستنكر الخبراء صمت قنديل ووزير الرى الدكتور محمد بهاء الدين من إعلان
أثيوبيا بالتصديق على الاتفاقية الإطارية، التى تم التوقيع عليه عام 2010،
ورفضتها دولتا المصب مصر والسودان لتهديدها الأمن القومى، بالإضافة إلى
تجاهل صريحات وزير المياه لدولة جنوب السودان بأن بلاده لا علاقة لها
باتفاقية عام 1959، وأنها ستنضم لباقى دول حوض النيل، ليصبح إجمالى الدول
الموقعة على الاتفاقية 7 دول يمكنهم بعدها إنشاء المفوضية والتحكم فى
مستقبل مصر المائى.
ويتساءل الخبراء، لماذا لم يتحرك رئيس الوزراء حتى الآن على الرغم من
المعلومات والدراسات التى تتوافر لديه بخطورة السدود الأثيوبية التى ستتسبب
فى حدوث عجز مائى فى إيراد النهر لمصر والسودان مقداره 18 مليار متر مكعب،
بالإضافة إلى خفض الكهرباء المولدة من السد العالى وخزان أسوان بحوالى
25-30%، مؤكدين أن سد النهضة وحده حسب الدراسات المصرية والدولية سيتسبب فى
عجز مائى مقداره 9مليار متر مكعب فى السنة.
ويؤكد الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الرى الأسبق، أنه فى الوقت الذى
تواجه مصر فيه الوضع المائى تبلغ فيه الحصة المائية للفرد ما يقرب من 625
متر مكعب فى السنة، أى أقل من ثلثى حد الفقر المائى، فإن العجز المائى
الناتج عن السدود الأثيوبية سوف يؤدى إلى تبوير حوالى 2 مليون فدان من
الأراضى الزراعية ومشاكل فى مياه الشرب والصناعة نتيجة لانخفاض منسوب
المياه فى النيل والرياح والترع وسوف تتأثر سلباً الملاحة والسياحة
النيلية.
وأكد علام أن السدود الأثيوبية ستتسبب فى إنتاج الطاقة الكهربائية المولدة
من قناطر إسنا ونجع حمادى، بالإضافة إلى تدهور البيئة وازدياد معدلات
التلوث وتهديد الثروة السمكية فى البحيرات الشمالية، وزيادة تدخل مياه
البحر فى الخزانات الجوفية الساحلية فى شمال الدلتا.
ولنا جميعاً أن نتصور الصمت الذى يعيشه رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل
وسط هذا الكم الكبير من السدود وقدرتها على تخزين كميات هائلة من المياه
حتى ولو كانت مخصصة للطاقة الكهربائية، وبالتالى منع أو عرقلة وصول كميات
منها إلى مصر، التى لا يصلها حاليا سوى 55 مليار متر مكعب من المياه.
التقارير الرسمية التى يعلمها رئيس الحكومة تؤكد أن احتياجاتنا من المياه
تتزايد بصورة شديدة بسبب الزيادة السكانية التى تلتهم الموارد المائية
لمصر، والتى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من نهر النيل، وهو ما يجعلنا نمر
بعجز مائى سنوى يصل إلى مليار متر مكعب، مما يسبب انخفاضا حادا فى نصيب
المواطن المصرى، من المياه، ويشير إلى دخولنا بقوة لـ"عصر الفقر المائى".
وانتقد علام أداء اللجنة الثلاثية المشكلة من خبراء محليين من مصر والسودان
وأثيوبيا وبعض الخبراء الدوليين، للتباحث حول سد النهضة الأثيوبى، مؤكداً
أنهم يجتمعون دوريا منذ عام ونصف بدون تحقيق أى نتائج إيجابية، بينما يستمر
العمل فى إنشاء السد على قدم وساق!!.
وقال علام، إن وقف بناء السد إذا ثبت ضرره لمصر غير وارد فى أجندة هذه
اللجنة، وأن أقصى صلاحياتها هو التوصل إلى توصيات بسياسات تشغيلية للسد
وبعدد سنوات تخزين المياه!! .
وحذر علام، من أن الاتفاق مع أثيوبيا على سياسة تشغيلية للسد يضع رقبة مصر
تحت رحمة أثيوبيا والمتغيرات الإقليمية والدولية، الخبراء يطالبون بأن تعلن
للرأى العام آخر تطورات الخلاف مع دول الحوض وخطتها للخروج من هذه الأزمة،
بما يضمن عدم المساس بحصة مصر واستمرار علاقاتها التاريخية بدول الحوض.
وطالب علام، إلا أنه فى حالة رفض أثيوبيا وقف بناء السد، يجب التحرك
السياسى لمصر والسودان على المستويين الإقليمى والدولى لعرض الآثار المدمرة
للسدود الأثيوبية ووقف أى مخطط لتمويل هذه السدود ومنع استخدام المنح
والمساعدات الإنسانية لبناء السدود، وإعداد "كتيباً" عن السدود الأثيوبية
وتبعاتها السلبية وتوزيع نسخ منه إلى الجهات المانحة والقوى السياسية
والمنظمات الدولية، ووضعه على المواقع الإلكترونية لوزارتى الرى والخارجية
وهيئة الاستعلامات.
ومن جانبه قال، الدكتور علاء الظواهرى أستاذ الهندسة المدنية بجامعة
القاهرة، إنه فى حالة حدوث الملء فى سنوات متوسطة فإن بحيرة السد العالى
سوف يتم استنزافها وسوف يقل عمق المياه بمقدار أكثر من 15 مترا أى سيصل
المنسوب إلى 159 مترا.
مشيراً إلى أن التخزين فى بحيرة ناصر "قرنى" ولذلك فإن تأثير أى نمط للسحب
من إيراد النهر يكون تراكميا، أى أن تأثير السحب قد لا يكون ملحوظا فى
حينه، ولكن يظهر تأثيره مجمعاً فجأة عند استنفاذ المخزون الإستراتيجى
للبحيرة أثناء فترات الجفاف، وبناء على ذلك فإنه من الممكن حدوث نتائج
كارثية إذا حدثت فترة جفاف تالية لملء السد.
وأكد الظواهرى، أن كل 4 مليار متر مكعب عجز من مياه النيل يعادل بوار 1
مليون فدان زراعى وتشريد 2 مليون أسرة فى الشارع، وفقد 12% من الإنتاج
الزراعى وزيادة الفجوة الغذائية بمقدار 5مليارات، بالإضافة إلى زيادة تلوث
المياه والملوحة وعجز فى مآخذ محطات مياه الشرب نتيجة انخفاض المناسيب
والتناقص الشديد فى السياحة النيلية وزيادة تداخل مياه البحر فى الدلتا مع
المياه الجوفية وتدهور نوعية المياه فى البحيرات الشمالية.
وكشف الظواهرى، أنه فى حالة انهيار سد النهضة ستتأثر الخرطوم بشكل كبير
وكارثى حيث سيؤدى إلى انهيار سدى "الروصيرص وسنار" إلى جانب سد "مروى"
الواقعين داخل الأراضى السودانية، إلى جانب أن النتائج كارثية على السد
العالى، حيث ستصله كميات كبيرة من المياه فى زمن قصير (أقصى تصرف نتيجة
انهيار سد النهضة سيصل بعد 18 يوم تقريبا) مما سيستحيل التعامل معه فى
حالات التشغيل العادية أو حتى حالات التشغيل فى حالات الطوارئ، فبحيرة السد
يجب أن يكون بها سعة تخزينية فارغة ما بين 24 و 58 مليار متر مكعب قبل
وصول كميات المياه الناتجة من انهيار سد النهضة.
ومن جانبه حذر الدكتور هانى رسلان رئيس وحدة السودان بمركز الأهرام
للدراسات السياسية والإستراتيجية، بأن مصر سوف تواجه مأزقا إستراتيجيا لا
يستهان به فى مدى زمنى قصير لا يتجاوز عشر سنوات، أن لم تسارع إلى تبنى
تحركات نشطة تستثمر فيها الموارد المتاحة إلى حدها الأقصى، من أجل تنفيذ
إستراتيجية مركبة للحفاظ على تماسك دولة شمال السودان وكذلك مساعدة دولة
جنوب السودان على الاستقرار والتنمية بجهد مصرى عربى مشترك، مع السعى بقوة
إلى خلق وتشجيع علاقة تعاونية بين شمال وجنوب السودان.
الخبراء يطالبون بأن تعلن للرأى العام آخر تطورات الخلاف مع دول الحوض
وخطتها للخروج من هذه الأزمة، بما يضمن عدم المساس بحصة مصر واستمرار
علاقاتها التاريخية بدول الحوض.