عبد الفتاح السيسي
قال وزير الدفاع المصري، اليوم، إن الصراع السياسي في البلاد
يدفعها إلى حافة الانهيار، في تحذير واضح من المؤسسة التي قاد ضباط منها
مصر حتى منتصف العام الماضي، في حين يكافح أول رئيس مدني منتخب بصورة حرة
لاحتواء عنف دموي في الشوارع.
وقال الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي تلقى تدريبا في الولايات
المتحدة، والذي عينه الرئيس محمد مرسي العام الماضي وزيرا للدفاع والإنتاج
الحربي وقائدا عاما للقوات المسلحة، "إن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار قوات
الجيش في مدن القناة التي هزتها أعمال عنف هو حماية قناة السويس التي يلعب
دخلها دورا حيويا في الاقتصاد المصري ولها أهمية كبيرة للتجارة الدولية".
وجاءت تصريحات السيسي، التي نشرت في صفحة رسمية للقوات المسلحة على
موقع "فيسبوك"، بعد مقتل 52 شخصا خلال أيام من الاضطرابات وأبرزت الإحساس
المتزايد بالأزمة التي تواجه البلاد ورئيسها الإسلامي الذي يكافح لإحياء
الاقتصاد المتعثر ويحتاج لتهيئة الشعب لانتخابات تشريعية ستجرى خلال شهور
بهدف تعزيز الديمقراطية الوليدة في مصر.
وهدأت الاشتباكات كثيرا اليوم، لكن شبانا رشقوا طوابير الشرطة
بالحجارة على أطراف ميدان التحرير بالقاهرة وردت القوات بقنابل الغاز
المسيل للدموع.
ومن المستبعد أن تكون تصريحات السيسي مؤشرا إلى أن الجيش يرغب في
استعادة السلطة التي احتفظ بها لستة عقود منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية
وخلال فترة مؤقتة تلت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني
مبارك قبل عامين.
لكن تصريحات السيسي بعثت برسالة قوية تفيد أن أكبر مؤسسة مصرية،
والتي تضطلع بدور اقتصادي كبير بالإضافة لدور أمني، كما أنها متلق لمساعدات
أمريكية مباشرة كبيرة تشعر بالقلق على مصير البلاد بعد خمسة أيام من
الاضطرابات في القاهرة ومدن أخرى كبيرة.
وقال السيسي "استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول إدارة شؤون البلاد قد يؤدى إلى إنهيار الدولة".
وأضاف أن "التحديات والإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والأمنية التي تواجه مصر حاليا تمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر وتماسك الدولة
المصرية وأن استمرار هذا المشهد دون معالجة من كافة الأطراف يؤدي إلى عواقب
وخيمة تؤثر على ثبات واستقرار الوطن".
وقال إن "الانضباط والالتزام بالثوابت الوطنية جعل القوات المسلحة العمود الصلب الذى ترتكز عليه الدولة المصرية".
وكان مرسي الذي تسلم السلطة في نهاية يونيو عين السيسي في منصب وزير
الدفاع والإنتاج الحربي بعد أن عزل في أغسطس وزير دفاع مبارك لمدة 20 عاما
المشير محمد حسين طنطاوي، الذي كان رئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة
الذي أدار شؤون البلاد بعد الرئيس السابق.
وزادت حالة عدم الاستقرار في مصر من قلق الدول الغربية التي يخشى
مسؤولون فيها تغير وجهة الدولة العربية المهمة في الشرق الأوسط والتي
تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل.
وأدانت الولايات المتحدة، الاثنين، العنف الدامي الذي يجتاح مصر منذ أيام ودعت الزعماء المصريين إلى القول بوضوح إن العنف غير مقبول.
وفي السابق رأس السيسي، 58 عاما، المخابرات الحربية وكان قد درس في
كلية الحرب الأمريكية. ويقول دبلوماسيون إنه معروف جيدا للولايات المتحدة
التي تقدم مساعدات عسكرية سنوية 1.3 مليار دولار لمصر تساعد في طمأنة
واشنطن إلى أن التغيير في المناصب العليا الذي حدث في مصر العام الماضي لن
يفسد العلاقات.
وأحد أقرب العسكريين للسيسي وأكثرهم خدمة معه هو اللواء محمد العصار
مساعد وزير الدفاع الذي يدير العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة الآن.
وبعد نحو سبعة أشهر من ولاية مرسي زاد الاستقطاب السياسي في مصر بدرجة كبيرة.
ورفض معارضون سياسيون دعوة وجهها مرسي للحوار الوطني الذي عقد أولى
جلساته، الاثنين، في مسعى لانهاء العنف. وبدلا من ذلك نزلت حشود كبيرة من
المحتجين إلى شوارع العاصمة القاهرة والإسكندرية ثاني أكبر مدينة وأيضا في
المدن الثلاث الرئيسية بمنطقة قناة السويس بورسعيد والسويس والإسماعيلية
التي فرض مرسي قانون الطواريء وحظر التجول عليها.
وشيع ألوف من سكان بورسعيد اليوم جثماني شخصين قتلا أمس في احدث اشتباكات بالمدينة ليرتفع عدد القتلى فيها منذ يوم السبت إلى 42.
وقتل معظم الضحايا بالرصاص في مدينة تكثر فيها الأسلحة النارية،
وقال محمد عز وهو من سكان بورسعيد في اتصال هاتفي معه اليوم، إنه سمع إطلاق
نار كثيف خلال الليل. وأضاف "الطلقات أصابت شرفة شقتي لذلك سأذهب للإقامة
مع شقيقي".
وتحدى محتجون مناوئون للحكومة الحظر الليلي الذي يسري في مدن القناة
الثلاث بعد الساعة التاسعة مساء بالتوقيت المحلي. وقال المتحدث الرئاسي
ياسر علي اليوم إن مدة حظر التجول وهي 30 يوما يمكن تقليصها تبعا للظروف.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، قول متحدث باسم وزارة
الداخلية إن الشرطة تواجه "اعتداءات نوعية غير مسبوقة صاحبها ظهور جماعات
تنتهج العنف ويحوز أعضاؤها مختلف أنواع الأسلحة".
ويتكرر اندلاع عنف الشوارع في الدولة المنقسمة، ما يثير ضيق كثيرين يتوقون لاستعادة النظام والنمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن تصريحات السيسي جاءت صارمة بشكل كبير فإن الجيش
عبر في السابق عن مخاوف مماثلة وتعهد بحماية البلاد. لكن الجيش رفض جره من
جديد إلى دور سياسي بعد أن اهتزت سمعته كطرف محايد بإدارته لشؤون البلاد
لمدة 17 شهرا بعد مبارك.
وقال إليجاه زروان، وهو محلل يقيم في القاهرة، "المصريون قلقون بشدة مما يجري"، وأضاف أن "الجيش يعبر عن قلق عام بين الشعب".
وتابع "لكن لا أعتقد بوجوب أن تؤخذ التصريحات على أن الجيش يوشك أن ينزل إلى الشوارع ويعتلي سدة الحكم".
وفي ديسمبر عرض السيسي استضافة حوار وطني حين كان مرسي ومعارضوه
يتنازعون وكانت الشوارع ملتهبة. لكن الدعوة سحبت بسرعة قبل عقد الاجتماع،
ربما لأن الجيش خشي جره مرة أخرى إلى الحلبة السياسية التي تشهد استقطابا.
واندلعت احدث احتجاجات عشية الذكرى الثانية للانتفاضة التي اندلعت
يوم 25 يناير عام 2011 وأسقطت مبارك بعد 18 يوما. وزاد من وطأة الاحتجاجات
اشتباكات في بورسعيد بين الشرطة ومحتجين على قرار محكمة بإحالة أوراق 21
أغلبهم من سكان المدينة إلى المفتي تمهيدا للحكم بإعدامهم، في قضية عنف تلا
مباراة لكرة القدم في بورسعيد.
ومنذ سقوط مبارك عام 2011، فاز الإسلاميونن الذين قمعهم الرئيس
السابق طوال سنوات حكمه الثلاثين، في استفتاءين وانتخابات مجلسي الشعب
والشورى والانتخابات الرئاسية.
لكن المعارضة تتحدى هذه الشرعية، وتتهم مرسي بفرض شكل جديد من أشكال
الحكم الاستبدادي الذي تخللته موجات متكررة من الاضطرابات التي حالت دون
عودة الاستقرار إلى مصر أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان.
ونشر الجيش قواته في مدن القناة الرئيسية الثلاث، ووافقت الحكومة
أمس على تعديل قانوني يمنح أفراده سلطة الضبطية القضائية، التي تتيح
للعسكريين إلقاء القبض على المدنيين. ووافق مجلس الشورى الذي يتولى التشريع
لحين انتخاب مجلس النواب خلال الشهور المقبلة على التعديل.
ورفضت جبهة الإنقاذ الوطني التي تقود المعارضة دعوة وجهها مرسي لاجتماع للحوار الوطني أمس لوقف العنف، ووصفت الدعوة بأنها "شكلية".
وقالت الرئاسة إن لجنة ستشكل لبحث تعديل الدستور لكنها لم تستجب لمطلب تشكيل حكومة إنقاذ وطني قبل انتخاب مجلس النواب.