أنا سيدة عمري38 سنة, وابنة
لأب عرفته مكافحا طول حياته, وفخورا بهذا الكفاح, وأم من أسرة عريقة
يشار إليها بالبنان, ولي ثلاثة أشقاء وتتسم شقيقتي الكبري بأنها مسالمة
ومطيعة الي أبعد الحدود, فلا تعرف لغة الجدال والنقاش, وترضي بكل شئ
يراه أبواها لها من اختيار ملابسها الي اختيار زوجها.
أما شقيقي الذي يكبرني بعامين فعاقل وحكيم ومخلص لمن حوله, ويعمل في صمت,
وهو وإن كان لا يجيد فن الحديث فإنه يجيد فن العمل, وأما شقيقي الأصغر
فمعروف بيننا أنه المدلل من الجميع.
وأنا الابنة المتمردة صاحبة الرأي والقرار, ولا أقبل أن أكون مسيرة في
حياتي, وأتخذ دائما قراراتي بنفسي مما جعل أختي هي الأقرب الي أبي وأمي,
وتمت خطبتي وأنا في السنة النهائية للجامعة لضابط شرطة بمباركة وترحيب أمي
لان عائلته تضاهي عائلتها, وخلال فترة الخطبة التي دامت تسعة أشهر لم أر من
خطيبي إلا كل خير, ولا أنكر أنني أحببته, لكن يبدو أن كل طرف يكون متحفظا
في تصرفاته تجاه الطرف الآخر قبل الزواج, ولذلك لا تظهر العيوب إلا فيما
بعد, فلقد وجدتنا مختلفين في الطباع تماما من اليوم التالي للزفاف, فلم
نتفق علي شئ, وبشخصيتي المتمردة صارت لي الكلمة النهائية في المنزل, فأفعل
ما أراه صائبا واقتصر دوره علي توفير مصاريف البيت وحقه الشرعي في, وحاولت
اصلاحه لكي ينشأ بيننا حوار في أمور حياتنا لكنه لم يعبأ بما أقوله وواصل
ضغطه علي بافتعال المشكلات حتي يتنصل من مسئولياته, وتحملت كثيرا ظنا مني
أن السنة الأولي للزواج عادة ما تكثر فيها الخلافات.
وبمرور الوقت أدركت أنه لا جدوي مما أفعله لأن الطباع لا تتغير أبدا وأن
من شب علي شئ شاب عليه, وهكذا مضت حياتنا بين الشجار أحيانا, واللامبالاة
في معظم الأحيان, وتكتمت أسرارنا, وظللت قوية متماسكة لكي لا يعرف أحد عنا
شيئا, وكنت أتصور أنه مع اسلوبه السلبي سوف يصون حياتنا, لكني فوجئت بأمي
تفاتحني فيما بيننا من مشكلات وراحت تمدح فيه وتذم في أمامه, وتعاملت معي
بنفس أسلوب جدتي معها ضمانا لاستمرار الحياة الزوجية, فأنا دائما المخطئة
بينما هو علي حق, ولا يعرف الخطأ إليه سبيلا, واستمرأ هذا الموقف المناصر
له فلجأ الي الوقيعة بيني وبين أهلي فخاصموني, وصار يأتيني علي ألسنتهم
بكلام تحريضي ضدهم, ثم يذهب إليهم فيقول لهم كلاما آخر, فتعمقت الفجوة
وزادت الخلافات.
ومنذ خمس سنوات, وفي أحد أيام شهر رمضان المبارك احتدم النقاش بيننا وعلا
صوتي عليه, فإذا به يضربني ضربا مبرحا وأنا صائمة ثم ترك المنزل فانزويت في
حجرتي, وظللت أبكي بحرقة وألم, وانتظرت أن يعتذر لي آخر النهار ونحن
نتناول طعام الافطار, ويبدي ندمه علي ما فعله لكنه لم يأت, وظل بعيدا عنا
شهرين كاملين لم يعلم خلالهما أي شئ عن أبنائه, وتعرض أحدهم لحادث وظلت
قدمه في الجبس ما يقرب من شهر دون علمه, وعندما ظهر من جديد دخل علينا ولم
يتكلم أو قل ظل صامتا كما هي عادته, ولم يأبه لكل تصرفاتي ونداءاتي له بأن
يكون أبا مثل كل الآباء!
ولم أجد بدا من أن أواجهه بكل مثالبه, وقلت له إن حياتي معه قد توقفت
وانني مازلت موجودة في المنزل من أجل أبنائي الذين يجب أن يحيوا بين أبويهم
وأكدت له أنني اذا طلبت الطلاق فلن اتراجع عنه مهما حدث فسمع كلامي أو قل
تهديدي له بلا اكتراث!.. هل تتخيل ياسيدي رد فعله اذا طلب منه الأولاد شيئا
أو ناقشوه في أمر من أمورهم, انه يقول لهم: عندكم امكم.. هي المسئولة
عنكم! فهو يوفر المصاريف فقط, أما ماعدا ذلك فلا شأن له به.. وقد كبروا علي
هذا المنهج الخاطئ وكونوا فكرة عن أبيهم بأنه ضعيف الشخصية, وليست له
كلمة, وأنه متذبذب في آرائه, ووجدتني قد وصلت الي طريق مسدود, وكرهت حياتي
معه, وأعلنته بعد تفكير عميق بأنني أطلب الطلاق, وأن علينا أن نجد حلا وسطا
لتربية أولادنا بأسلوب لا يؤثر علي نفسيتهم وبأقل الخسائر الممكنة.
وفي اليوم التالي انقلبت الدنيا رأسا علي عقب, حيث أبلغ أهلي بما قلته له,
فجاءوني وسألوني عن سبب اصراري علي الطلاق, فزوجي من وجهة نظرهم ملاك
ويعطيني الأموال التي احتاجها, ولا يسألني أين أنفقها, ولا متي أخرج أو
أعود, كما يتيح لي حرية التصرف في كل الأمور, أو بمعني أصح يترك لي الحبل
علي الغارب, فسمعت مبرراتهم ولكنها لم تثنيني عما اعتزمته.
وهنا بدأوا حربا أهلية ضدي مارسوا فيها كل أنواع الضغوط علي, بدءا من
المقاطعة التامة ثم اتهامي بأن طلب الطلاق علي غير رغبتهم يدخل في باب عقوق
الوالدين, وأوعزوا الي من حولي للتحدث معي فربما أراجع نفسي, ولكي يسألوني
عما سأفعله بعد الطلاق, وهل هناك من يشغل تفكيري؟.. وللأسف الشديد فقد
تعرضت لاتهامات باطلة, مرة بأنني علي علاقة بشخص طلق زوجته, ومرة أخري
بأنني أنوي الزواج من شخص كان يريد الارتباط بي من قبل, ومرة ثالثة بأنني
سوف ارتبط بواحد متزوج!.. ورأوا في ذلك ضغوطا علي لكي أتراجع عن موقفي!
ولم انشغل بهذا الكلام قدر انشغالي بما قالوه عن أن تصميمي علي الطلاق فيه
عقوق للوالدين فذهبت الي دار الافتاء, وعرضت عليهم الأمر فأعطوني فتوي
بأنه لا علاقة لطلبي الطلاق بعقوق الوالدين, وأرسلت خطابا الي أبي شرحت فيه
موقفي بعد أن كره الحديث معي أو حتي مجرد رؤيتي, وقلت له: هذه هي الفضفضة
الأخيرة لي, وبعدها سوف التزم الصمت, وأرجو ابلاغك بأن دار الافتاء أفتت لي
بأن الزوجة هي التي تقرر ما اذا كانت تريد الطلاق أو لا وفقا للضرر الواقع
عليها, ولا علاقة لذلك من قريب أو بعيد بعقوق الوالدين, وأعلم أنك شديد
الخوف علي من تقلبات الزمن, وألسنة الناس لكن ذلك لا يعنيني, فالناس
يتكلمون في كل الأحوال, وأنا في النهاية المضارة الوحيدة ولو استمررت في
هذه الحياة سوف أغضب الله وأغضبك أنت وأمي, وسوف نشترك جميعا في ذنب نحن في
غني عنه, فلقد آمنت أن حياتي مع زوجي قد توقفت عند هذا الحد, ولا رجعة عن
موقفي, أليس من حقي أن أحيا في راحة وهدوء نفسي فيما تبقي لي من عمر؟.
انكم يا أبي تقرون بأن سلبية زوجي هي التي أوصلتنا الي نفق مظلم, ولكنكم
حدثتم كل الجيران والمعارف بمشكلتي لكي يثنوني عما اعتزمته فخسرتموني
وخسرتكم, فمن جاءوا للحديث معي, جرحوني بما فيه الكفاية, وتحول تساؤلكم عما
اذا كان هناك من يشغل تفكيري الي يقين لدي هؤلاء, ومن كثرة الضغوط علي
أصبت بمرض في الأعصاب, ولم أعد أستطيع الاستغناء عن الحبوب المهدئة التي
أصبحت أتعاطاها بكثرة.
وتعلم يا أبي أنني لم أتأخر عن أحد في أي يوم من الأيام, ومازلت سعيدة
بقلبي النقي تجاه الآخرين, فلماذا تدفعني الي البحث عن مشاعر الأب وأنت علي
قيد الحياة؟.. ان زوجي نصيبي والنصيب قد يتغير, صحيح أنني كنت متمردة طوال
فترة الصبا, لكن أخطاء الماضي ليست دليلا علي الحاضر, ولا مؤشرا للمستقبل,
والله المعين وهو أرحم الراحمين.
لقد بعثت ياسيدي بهذه الرسالة الي أبي, ولم يرد علي, وحاولت أن أتحدث مع
أمي فلم تعرني أدني اهتمام, وهما يطالباني بأن أظل علي ذمة زوجي أمام
الناس, وليفعل هو بحياته ما يشاء, أما الضرب فمن وجهة نظرهما ليس مبررا
للطلاق ولا سلبية الرجل أيضا في بيته وعدم رعايته أولاده وزوجته, فرددت
عليهما بأن الكره وحده أقوي سبب للطلاق, وذكرتهما بالمرأة التي ذهبت الي
رسول الله صلي الله عليه وسلم تطلب خلع زوجها لكرهها له, فلم يفعل معها
الرسول ما فعلوه بي, ولم يجبرها علي الاستمرار معه أمام الناس لكي لا
يقولوا عنها انها مطلقة!ولعلك تسألني: وأين زوجك الآن؟.. فأقول لك: لقد رحل
عن البيت ولم نعد نراه, واستمد موقفه معي من موقف أهلي, ورفض دفع مصاريف
الدراسة للأولاد, وقال لهم: اذا لم تستطع أمكم دفعها, تعالوا لكي أدفعها
لكم!
انني لم أجد بدا من أن أرفع دعوي خلع ضده, ودعوي نفقة, ومازال موقف أبي
وأمي كما هو!.. واني أسألك كيف يرضي زوج بمعاشرة امرأة كرهت الحياة معه؟..
وأي قضاء هذا الذي يؤجل قضية حياتية كهذه بالشهور؟.. وكيف أتصرف فيما أنا
فيه وأحيا بقية عمري في سكون, وأرضي ربي وألقاه وأنا مطمئنة؟.
>>.. وأقول لكاتبة هذه الرسالة: لقد بنيت حياتك علي خطأ قاتل هو أن
تكون لك الكلمة العليا وليس لزوجك, وحاولت أن تتجملي خلال فترة الخطبة, ولم
تظهري شخصيتك المتمردة علي حد تعبيرك, وألصقت فشلك في زيجتك بأمك التي
تقولين إنها هي التي دفعتك إلي ذلك, في حين أن تفكيرك الخاطئ هو الذي قادك
إلي ما أنت فيه, فأي زيجة تقوم علي سيطرة المرأة علي مقاليد الأسرة لا يكتب
لها النجاح, فالقيادة تكون للرجل وعلي المرأة أن تسانده وترشده وتشد من
أزره, وهي بحكمتها تستطيع أن تبني بيتها, ويمكنها بحماقتها أن تهدمه في
غمضة عين.
لقد حاولت جاهدا البحث عن سبب مقنع لما وصلتما إليه, بعد الحب الذي جمعكما
في البداية, فلم أجد ولم ألمس خطأ واضحا ارتكبه زوجك في حقك, ولم تتضمن
رسالتك ما يشير إلي سوء العشرة سوي أنك تعرضت للضرب منه دون أن تشرحي طبيعة
الخلاف الذي دار بينكما, وأغلب ظني أنك كنت حادة الطباع معه منذ اللحظة
الأولي لزواجكما بدليل قولك انك صاحبة الكلمة العليا في البيت, وربما تحدثت
اليه بكلمات جارحة لكنك لم تفصحي عن التفاصيل المهمة التي يكتمل بها
المعني, واكتفيت بالإشارة إلي أنه سلبي ويلقي بالمسئولية كاملة علي عاتقك.
ولا أدري كيف تصرين علي أن تكون لك الكلمة الفاصلة في البيت, وفي الوقت
نفسه يكون لزوجك دور القيادة فيه!.. إنه تناقض واضح يرجع إلي تركيبتك
الشخصية والطريقة التي تربيت بها, وهذا مافهمته من طريقة سردك لأوصاف
اشقائك ومقارنة نفسك بهم.
وعلي أي حال فإنك إزاء الأوجاع التي تعانين منها في حياتك الزوجية أمام
خيارين.. إما الصبر أو الانفصال.. فكلما صبر الانسان علي أوجاعه وحاول أن
يتأقلم معها أحس بالرضا ولو بعد حين, وأتذكر هنا قول جبران خليل جبران زرعت
أوجاعي في حقل من التجلد فنبتت أفراحا بمعني أن الصبر مفتاح الفرج, فقد
يلين زوجك وتتبدل طباعه إذا وجد منك كلمة حلوة تحتويه, واختفي الشخط والنطر
من حياتك, وعليك أن تستعيني في ذلك بالله عز وجل فكلما قويت علاقة الانسان
بربه صح فكره ونضج سلوكه وصفت نفسه وحقق سعادته, وعليه أن يسعي إلي إصلاح
وتغيير ما يمكن إصلاحه أو تغييره, والرضا بما لا يمكن التعامل معه محتسبا
ما يفعله عند الله تعالي ومتوكلا عليه.
وفي استطاعة كل منا أن يتأقلم ويتعايش مع بلواه مستثمرا ومستفيدا منها,
وإن ذلك من عزم الأمور, فإذا كنت قد جربت كل هذه الحلول وعجزت تماما عن
مواصلة الحياة معه, فمن حقك أن تنفصلي عنه, وهذا هو أخف الأضرار وليعلم
أبواك أن إصرارهما علي استمرارك معه دون رغبة منك سوف تترتب عليه عواقب
سيئة إن عاجلا أو آجلا..
إنني أفهم أن يتدخلا لإصلاح ما فسد بينكما, ويعملا علي رأب الصدع الذي
أصاب حياتك الزوجية في إطار من التكتم الشديد لكن أن يتحدثا بمشكلتك مع
الآخرين حتي أصبحت سيرتك علي كل لسان, فهذا ما لا يقره دين وتأباه النفس,
وما كان لرجل عاقل مثل أبيك ولا سيدة متزنة مثل أمك اللجوء الي هذا
الأسلوب, ولا أدري سببا لتغيرهما المفاجئ تجاهك, ولا مبررا لاستمرارك مع
زوجك ما يزيد علي خمسة عشر عاما وأنت كارهة له, فلقد أنجبت خلالها أولادك
الذين لم تذكري عددهم, وكان الواجب عليك أن تتوقفي منذ البداية مع نفسك
لتعيدي حساباتك وتقررين اما الاستمرار أو الانفصال.
وأرجو أن تبدأي الحل العملي لأزمتك بالتوقف عن إرسال الرسائل والحديث مع
الآخرين حتي لو جاءوا من طرف أهلك, فالتزام السكوت فيه السلامة, أما الكلام
الفارغ الذي يزيد احتقان النفوس فإن عاقبته الندامة, وتبقي بعد ذلك الخطوة
الأخيرة وهي الطلاق ـ وهذه الخطوة قد تلقي بك الي الهاوية فتندمين أشد
الندم, ولكن بعد أن يكون كل شيء قد انتهي, وأصبح من المستحيل الرجوع إلي
الخلف, ولذلك يجب أن تتريثي قبل الإقدام عليها, فتدرسينها جيدا وتقلبينها
علي كل الوجوه, فإذا تيقنت إنك لا محالة سوف تقطعينها فليكن ما أردت
بمواصلة دعواك أمام القضاء لكي تحصلي علي الطلاق ثم طي هذه الصفحة تماما,
والبحث عن سبيل للتواصل مع أولادك.. والله المستعان.