سيدي لا أعرف من أين أبدأ
كلامي, لم أحب الشكوي إلا لربي, حتي الشكوي لربي أخجل منها أحيانا
عندما أري نعمه الكثيرة علي, كما أني اتخذ من رسولنا الكريم قدوة, وهو
الذي ظل يصلي سبعة عشر شهرا تقريبا نحو المسجد الأقصي.
ورغم أن هذا كان يؤلمه استحي من الله أن يطلب منه أن يعود ليصلي نحو
الكعبة قبلة أجداده, فأين أنا من رسول الله, عندما تعجزني الحيلة أقول
اللهم أنت عالم بحالي وغني عن سؤالي, لكنني يا أستاذي الفاضل احتاج إلي من
ألقي عليه ببعض همومي حيث أشعر أني لو لم أحك لأحد فسأموت كمدا.
أنا سيدة في الثامنة والثلاثين من عمري, حاصلة علي بكالوريوس تجارة, عندي
أربعة أولاد هم قرة عيني والنور الذي أري به الدنيا, لن أقول من أجلهم
أحتمل مشاق الدنيا, فأنا أحتمل قدري وما كتبه الله علي, لكنهم البسمة
الوحيدة لي في حياة أصبحت حقا جحيما. متزوجة من أربعة عشر عاما تقريبا,
تزوجته ياسيدي في شقة أربع حجرات في منزل أسرته وهو أربعة طوابق, كل طابق
مكون من شقتين, كانت هذه الشقة الميزة الوحيدة عندما تقدم لي, فقد شبكني
بشبكة رمزية, ولم يفرش لي سوي حجرتين من الشقة, حجرة نوم وأنتريه, لن أصف
لك حالتهما, إنهما كانتا من النوع الردئ أو السوقي كما يقولون, لكنني كنت
سعيدة, لأنني سأتزوج وألبس الفستان الأبيض, ولهذا عارضت أبي بشدة عندما
رفضه أكثر من ثلاث مرات, وفي المرة الأخيرة وافق بعد أن أسهمت أمي بحجرة
صالون قالت انه هو من اشتراها, وكذلك بعض الأجهزة الكهربائية, تزوجته بعد
صراع طويل مع أهلي, ظننت أن الدنيا ابتسمت لي, لكنني فوجئت انني وقعت في
عائلة عجيبة جدا, فأهل زوجي رغم أنهم ميسورو الحال إلا أنهم لا يسهمون
بمليم في نفقات زواج أي ابن من ابنائهم, حتي لو وصل لسن الاربعين.
من أول يوم لزواجي علمت أن الكلمة الأولي والأخيرة لحماتي وما علي حماي
سوي أن يقول صح يا حاجة, عليكي نور ياحاجة, اللي تشوفيه ياحاجة, حتي عندما
أشارت عليه أن يقوم باعطاء البيت الثاني الذي يملكه حماي لابنتهم الوحيدة,
لأنها مطلقة وافقها علي الفور.
كما أن حماتي تحب التحكم في كل كبيرة وصغيرة في حياتنا, لا يعجبها العجب
كما يقولون, لا طعام ولا ملابس لي, أو لأي زوجة من زوجات أبنائها.. بعد كل
مشاجرة معنا تهددنا بالطرد من جنتها المزعومة أي من الشقة التي ظل زوجي
ينفق عليها راتبه أكثر من سبع سنوات حتي تصبح صالحةc+++ للسكن.
كنت أظن أنها تهددنا فقط حتي ننصاع لأوامرها, لكنني فوجئت ذات يوم بطارق
علي الباب فتحت له البوابة الكبيرة وناديت علي حماي وقلت له واحد عايزك فرد
الزائر أنا أخو زوجك يعني عمك, ظننته يمزح, لكني علمت انه الأخ الكبير
لزوجي, وقد حكمت عليه حماتي بالطرد من البيت بعد أن رفض أن يطلق زوجته التي
لا تعجبها, وكان قد طلق زوجته الأولي بناء علي رغبتها, لكنه رفض طلاق
الثانية لأنها أنجبت, فقامت بطرده من البيت, علمت أن شقيق زوجي هذا عندما
طرد من البيت لم يجد سوي حجرة صغيرة في منزل أسرة زوجته, ثم فتح الله عليه
وأصبح عنده منزلان وأرض زراعية, وهو بار جدا بأهله, يزورهم كل فترة حاملا
معه الكثير من الهدايا ورغم هذا يقابلونه أسوأ مقابلة.
عندما علمت بحكاية شقيق زوجي قلت لزوجي يجب أن ندخر كل مليم معنا حتي
نستطيع شراء قطعة أرض نقوم ببنائها حتي إذا طردونا وجدنا لنا سكنا, بعت ما
كان معي من ذهب ووضعت ثمنه في دفتر توفير في البنك, أصر زوجي علي أن يكون
باسمي, وهذا ما جعلني اتباري في زيادة رصيده, حرمت نفسي من كل متع الدنيا,
اللبس والطعام حتي استطيع الادخار, وما إن علمت حماتي بهذا حتي احتالت علي
زوجي حتي تأخذ ما ادخرناه, جاء له والده وقال له سأبيع لك الشقة التي
تسكنها, فيصبح لك شقة بخلاف ميراثك, لكنني تخوفت منه لأنه سبق أن باع لشقيق
زوجي شقة, وعندما اختلف معه جرح نفسه وذهب ليشكوه في القسم, وبعد أن حرر
له محضرا ساومه إما أن يجعل القضية تسير أو يتنازل عن الشقة فأصيب شقيق
زوجي بجلطة في الحال, فتنازل حماي عن الشكوي, ولولا هذا لأخذ منه الشقة.
أذاقتني حماتي العذاب أشكالا, كانت تتفنن في تعذيبي وعقابي علي أقل خطأ,
كانت تفصل الكهرباء عن شقتي وأظل في ظلام دامس بالشهور وهي تعلم أني لن
أشكو لأهلي لمعارضتهم زواجي من ابنهم, أو ترفض أن تفتح لي الباب عند عودتي
من العمل فلا أعرف ماذا أفعل ولا أين أذهب فكنت أعود من عملي في الثانية
ظهرا ومعي أولادي, فأظل بالشارع حتي يعود زوجي من عمله في الرابعة عصرا.
وكان زوجي يمتص غضبها وكثيرا ما كان هذا علي حسابي, يأخذ صفها دائما ولا
ينصفني أبدا رغم أني كنت أحرص علي ألا أخطئ مهما يكن, كانت لا تهدأ إلا إذا
ضربني أمامها, حتي لو ضربني بعيدا عنها يأخذني ليريها آثار هذا الضرب علي
جسدي, وعندما أعاتبه يقول لي هنروح فين لو طردونا, استحملي شوية لحد ما
نعمل لنا بيت, أنا عارف انك مظلومة لكن أعمل إيه, عندك حل تاني؟
عادت شقيقة زوجي لزوجها, وهنا أشار زوجي علي والده أن ترد شقيقته المنزل
الذي أعطاه لها حتي لا يتعرض لعقاب الله, لأنه فرق بين أولاده في الميراث,
قال له اقسم لك انني لا أقول هذا خوفا علي نصيبي في البيت, لقد وقعت كشاهد
أول علي العقد, لكني أخاف عليك من عذاب الله, وهنا كانت الطامة الكبري,
ثارت حماتي وأصرت علي طرد زوجي من البيت, لأنه لو بقي فيه فسيثير الفتنة
فيه, ويشحن أشقاءه علي والده, انحنيت علي يدها اقبلها أرجوها أن تتركنا حتي
ندبر أمورنا, وأقسمت لها اننا سنترك البيت عندما نستطيع توفير مكان ملائم
لكنها أصرت علي موقفها وساندها حماي سامحه الله.
طردونا ومعي ثلاثة أطفال أصغرهم عمره شهران. كان المبلغ الذي معنا لا يصلح
لشراء حتي قطعة أرض في الصحراء, خرجت أنا وزوجي هائمين علي وجوهنا في
الشوارع نبحث عن شقة نسكنها, كان هذا منذ ثماني سنوات, وكلما رأينا شقة
وأعجبتنا وجدنا إيجارها يلتهم مرتب زوجي تقريبا, نظرا لأن زوجي عمل في
الحكومة بعد أن تعدي الثلاثين وكان مرتبه قليلا. وأنا أعمل بعقد مؤقت
بتسعين جنيها, وعندما رأي السمسار حيرتنا دلنا علي بيت قديم من الطوب
اللبن, قال إن إيجاره سيكون منخفضا, وهو في شارع جانبي وسط المدينة, وقريب
من منزل أسرتي, مساحته سبعون مترا, وعندما ذهبنا لتأجيره علمنا أنه معروض
للبيع بثمن زهيد, أكثر مما معنا قليلا, فأشرت علي زوجي أن نشتريه, وسأوفر
أنا له المبلغ المتبقي من ثمنه من أهلي, لكن السمسار صارحنا بأن هذا المنزل
عندما يهدم سيمر من خلاله شارع ولن يتبقي منه سوي خمسة وعشرين مترا, قلت
نسكنه حتي ندخر مبلغا آخر ثم نبيعه ونشتري منزلا آخر أو قطعة أرض, ويكفي
أننا سيكون لنا منزل لا يطردنا منه أحد, واننا سنبتعد عن المشاكل.
الكلام حلو والحلم جميل, أن يكون لك أربعة جدران وباب يغلق عليك, لا أحد
يتدخل في حياتك, لا أحد يهددك, لكن الواقع كان شيئا آخر, عندما دخلت البيت
شعرت اني دخلت مقبرة, البيت عمره أكثر من مائة عام وينخفض جدا عن الشارع
مترا ونصف المتر تقريبا, وهو كما قلت من الطوب اللبن, ومعرش بالخشب
والجريد, الحوائط متصدعة تظهر بها الشقوق, ونظرا لانخفاضه الشديد يمتص مياه
الصرف الصحي من كل المنازل حوله, وهذا ما جعل حوائطه متشبعة بالرطوبة,
ورائحته لا تطاق, مليء بالحشرات بكل أنواعها والتي كانت تتجول فيه نهارا
جهارا بلا أي خوف أو حرج.
ظن زوجي اني سأتراجع لكني قلت له سنأخذه وكل شيء مقدور عليه, يكفي انه
سيكون ملكنا, لن أستطيع مهما أصف لك ماعانيته في هذا المنزل, أنا التي كنت
أخاف من الصرصار أصبح لزاما علي أن أتعايش ليس فقط مع الصرصار, لكن مع كل
الحشرات والهوام التي رأيتها والتي سمعت عنها, الفئران تسكن دولاب ملابسي
ووسط بطاطيني الفاخرة, وفي أسرة أطفالي, أقسم لك انني كنت نائمة ذات ليلة
ورفعت رأسي لأعلي فوجدت سربا من الفئران الصغيرة تتجول بين الجريد والعروق
الخشب بالسقف, قضينا هذه الليلة في محاولة القبض علي أكبر قدر ممكن من هذه
الفئران وبالطبع هرب عدد كبير منها لينكد علينا في الليالي القادمة, أما
الصراصير فهي من النوع المتوحش, يقترب طول الواحد منها من خمسة سنتيمترات
لا ينفع معها أي رش أو مبيد, أصبنا نحن بأمراض الحساسية, وهي مازالت في أتم
صحة وعافية, لأنها تعلم أين تختبئ عندما نرش المبيد, وما أكثر المخابئ
الآمنة, أما الأبراص فهي تطب علينا بلا سابق إنذار, تتساقط من السقف في أي
شيء حتي لو كان الطعام, والثعبان أجده أسفل السجادة فأرفعها وأرفض قتلة حتي
لا يأتي وليفه لينتقم مني, أطارده وأفسح له الطريق حتي ينصرف في أمان, أما
أكثر الحشرات رفقا بي فكانت العرسة التي دخلت البيت ولم تجد ما تأكله
فخرجت في الحال, ناهيك عن النمل والذباب والبراغيث, حتي الدبابير ياسيدي
كان لها نصيب في سكن الجريد الموجود بالسقف, وبالطبع كلنا أخذنا نصيبنا من
قرصاتها الموجعة حتي رضيعتي التي أنجبتها بعد دخولي البيت بعام, ولا تقل لي
كيف فقد كنت أعاني من العقم ويعايرني أهل زوجي بهذا ويهددوني بأنهم
سيزوجون زوجي, وبعد أن أنجبت طفلين قررت أن أكتفي بهما لكن إرادة الله شاءت
أن أنجب طفلين آخرين, رغم اني كنت أحرص علي تناول حبوب منع الحمل. أما
أكثر الحشرات قسوة فكان البق لا أراه الله لك يا سيدي ولا لأحد من عباده,
فهو يختبئ بالشقوق والملابس وخشب الأثاث ليظهر ليلا ليمتص دم فريسته بلا
هوادة. فشلت معه كل الحيل وكل أنواع المبيدات,أقسم بالله اني أجده يوميا
أسفل مخدات أولادي ووسط بطاطينهم وداخل ملابسهم الداخلية.
كل ما سبق كوم وعندما يأتي الشتاء كوم آخر, الشمس لا تدخل البيت أبدا,
تحجبها عنه المنازل المحيطة به, غسيلي يظل علي الأحبال بالاسبوع حتي يجف,
والمأساة تكون عند سقوط الأمطار فيتحول بيتي إلي مصفاة من أعلي, وبحيرة من
أسفل, تتجمع فيه كل مياه الشارع نظرا لانخفاضه عن منازل الشارع, المياه
تغمر كل شيء, وتفسد كل شيء, خزيني وفرشي, مراتبي وأغطيتي, كل شيء, بالطبع
يضطر زوجي لفصل الكهرباء عن البيت حتي لا تحدث كارثة لأن أسلاك الكهرباء
متآكلة, فنعيش في ظلام دامس. التفاصيل كثيرة وموجعة لكنها واقع أعيشه
وأتعايش معه وأحمد ربي رغم كل شيء, و لا أترك الشيطان أبدا يفسد حياتي علي,
لا أتركه يلهيني عن شكر الله علي ما معي من نعم ويشغلني بالتفكير فيما
ينقصني كما تقول في ردودك, والحمد لله علي كل شيء.
رغم كل هذا أصر زوجي علي أن نقوم بزيارة أهله, قلت له اذهب وحدك فقال
ستذهبين معي فهم أهلي مهما عملوا, ذهبت معه وقابلونا أسوأ مقابلة, ورغم هذا
أصر زوجي علي زيارتهم كل فترة وفي كل المناسبات, قلت في نفسي لعلهم يرقون
لحالنا ويطلبون منا أن نعود لشقتنا, لكنهم لم يفعلوها, هل تعلم ماذا فعلوا
بشقتي بعد خروجي منها ياسيدي؟ لقد ربوا فيها طيورا وعجولا, هل تصدق ياسيدي
ننام نحن في التراب, والبط والوز ينام علي السيراميك الذي ركبناه ولم نهنأ
به؟.
وبعد خمس سنوات جاءنا والد زوجي لأول مرة في بيتنا, بعد وفاة شقيق زوجي,
قال انه ذاهب لأداء فريضة الحج, وانه أراد أن يخلص ضميره, وسمح لنا بالعودة
لشقتنا, طرت من الفرحة, وجمعت عفشي أنا وزوجي وذهبنا للشقة, اقسم لك
ياسيدي اني وجدت فيها روث ومخلفات الطيور بارتفاع يتراوح بين ربع ونصف
المتر, انتحي والد زوجي به وطلب منه أن يبيع البيت الذي نملكه ونشتري شقة
شقيق زوجي المتوفي فرفض زوجي, وضعنا العفش في الشقة يوم الأربعاء, وبتنا
فيها يوما واحدا وذهبنا لبيتنا يوم الخميس نحضر بعض الأشياء, فجاء والد
زوجي إلي بيتنا وتشاجر مع زوجي, وشتمه وعايره بمنزلنا, واصفا إياه
بالزريبة, وقال له تعالي خد عفشك وإلا ألقيته في الشارع, ولم أصدق ما
سمعته, حاولت تهدئته وقلت له ماذا فعلنا, فقال خليه وراكي يسمع كلامك انتي
وأهلك, كل هذا لأنه رفض أن يشتري شقة شقيقه, رفض زوجي الذهاب لاحضار العفش
وقال لو ذهبت فسأولع فيه, أنا لست صغيرا حتي يفعلوا بي هذا, واقسم بالله
ألا يدخل منزل أسرته أبدا. ذهبت أنا ياسيدي لألملم أشلاء عفشي, وعلمت أن
حماي سامحه الله الذي يبلغ من العمر57 عاما ألقي بعفشي من الدور الثالث
عندما رفض أشقاء زوجي مساعدته في تنزيل العفش. مهما أصف لك ياسيدي آلامي في
هذا اليوم فلن أستطيع. جمعت ما تبقي لي بدموعي, أشارت علي زوجة شقيق زوجي
بأن أشكو والد زوجي في القسم, فرفضت لأنه في النهاية جد أولادي, وقد
يعايرون به.
عدت لبيتي أقبل ترابه, واحتمي بجدرانه ومازلت به حتي اليوم, ولا أعرف كيف
ذهب حماي للأراضي المقدسة ووقف أمام بيت الله ليقول لبيك اللهم لبيك بعد أن
قطع رحمه وفرق أولاده في الأرض.
مر كل ما سبق بحلوه ومره, وأنا أحرص علي جمع كل ما تطوله يدي من مال حتي
نستطيع شراء بيت آخر, حرمت نفسي وأولادي من كل متع الدنيا, أكسوهم من
الملابس المستعملة, حتي ملابس العيد كنت أشتريها أكبر من مقاسات أولادي حتي
يعيدوا فيها أكثر من مرة, أذاكر لهم بنفسي لأوفر ثمن الدروس الخصوصية,
فعلت الممكن والمستحيل لأوفر كل جنيه يصل ليدنا.
سنوات وسنوات يا سيدي عشتها في هذا البيت المتهالك لا أشكو ولا أتذمر
لعلمي بظروف زوجي, وعندما سدت الطرق أمام شرائنا قطعة أرض أشرت علي زوجي أن
نهدم منزلنا ونبنيه بالمبلغ الذي معنا, فقال سيكون ضيقا جدا سيكون حجرة
واحدة, فقلت له كنا نسكن في شقة120 مترا لكننا كنا في مشاكل يكفي انه سيكون
ملكنا.
وبالفعل بدأنا في اجراءات الهدم في عام2007 ذهبت للوحدة المحلية نظرا
لانشغال زوجي فقال الموظف المختص المساحة صغيرة جدا25 مترا فقط, قلت له:
تكفينا حجرة واحدة, فقال: ليتها ستكون حجرة, قلت له: وما العمل فأشار علي
بالشكوي حيث ان الشارع الذي سيمر في بيتنا ليس له جدوي.
فتقدمت بشكوي بالفعل للمجلس المحلي, فأرسل المجلس المحلي لجنة هندسية
عاينت ورأت أن هناك بديلين للشارع المقترح, والمفترض مروره من داخل منزلي,
والشارع الذي به بيتي غير حيوي, ولا يحتاج لشوارع أخري, أرسل التقرير
للوحدة المحلية فأرسلت لجنة هندسية من مهندسي الوحدة توصلت الي نفس
النتيجة, وقاموا بكتابة تقرير بهذا وأرسل للمجلس المحلي بمحافظة القليوبية,
فأرسلوا لجنة هندسية من مهندسي المجلس قالت نفس الشيء, لا جدوي للشارع,
ووصلت كل هذه التقارير الهندسية الي رئيس المجلس السيد محمد عطية الفيومي
سامحه الله قال إن الشارع المقترح صادر له قرار ملكي عام1927 ولا يمكن
الغاؤه, اسودت الدنيا في وجهي, هل تصدق ياسيدي قرار صدر من85 عاما مازال
مفعلا وثلاث لجان هندسية محترمة لا يؤخذ برأيها, زالت الملكية ومازالت
قوانينها وقراراتها تحكمنا.
أشار علي أحد العاملين بمكتبه بالتظلم وبالفعل تظلمت وقامت لجنة هندسية
جديدة من لجنة الاسكان بالمجلس توصلت لنفس النتيجة وكتبوا تقريرا بهذا وقبل
ان يصل لرئيس المجلس قامت الثورة واغلقت المجالس المحلية وأغلقت الادراج
علي الورق والتقارير التي ظللت ثلاث سنوات أجري وراء ختمها من هنا أو
توقيعها من هناك.
أشار علينا البعض باستغلال حالة الانفلات الأمني بالدولة ونقوم بهدم البيت
وبنائه في أيام العطلات, لكننا رفضنا لأننا لانستطيع المغامرة, كما رفضنا
ايضا أن نبني بالارض الزراعية كما فعل البعض رغم أن ثمنها أقل من ربع ثمن
ارض البناء.
سبعون مترا ياسيدي كل حلمنا في الدنيا استكثروها علينا, سبعون مترا فقط
وغيرنا يستولي علي آلاف وملايين الامتار من أملاك الدولة, سبعون مترا
وغيرنا يحيا في قصور, والحمد لله علي كل شيء. سيدي لا أحب الشكوي ويعلم
الله خجلي من لجوئي للشكوي لك لكني لست مسئولة عن نفسي فقط لو كان علي لا
يهمني أن أعيش وأموت في هذا البيت, لكني مسئولة عن أطفال صغار يحتاجون الي
منزل صحي مثل أقرانهم, منزل تدخله الشمس ولا يملؤه الغبار والحشرات.
أتمني أن يقرأ رسالتي محافظ القليوبية وينظر لي بعين رحيمة ويرسل لجنة
هندسية محايدة لموقع البيت لتعاين علي الطبيعة ونحن راضون بنتيجتها وكل ما
سيقدره الله خير.
نسيت أن أقول ان زوجي وافق أخيرا علي زيارة أهله وكم كانت فرحتي بهذا,
وكأنه وافق علي زيارة أهلي, ذهبت معه ومعي هدية لهم ظلوا ينظرون لنا وكأنهم
ينتظرون ان نستغيث بهم ونطلب العودة للشقة فبادرتهم قائلة جئنا لزيارتكم
ولا نريد أي شيء منكم سوي دعواتكم, تعجبوا أكثر خصوصا بعد أن قاطعهم جميع
أولادهم, عرضت علينا حماتي أن نعود للشقة لو كنا نريد, فرفضنا بشدة ولا
تتعجب ياسيدي فقد عفت أنفسنا كل ما عندهم, عفت نفسي المنزل الذي أهنت فيه
أكثر من مرة حتي لو كنت أعيش في عشة.
أخيرا ياسيدي لك تحياتي وأرجو الا تحمل همي لو لا قدر الله حكم علينا
ببقاء الوضع كما هو عليه, فما يعزيني أن هذا ما كتبه الله علينا, ولابد
أننا مأجورون عليه, ويكفي أن هذه المحنة قربتني من الله, وجعلتني أكثر
احساسا بالمطحونين والمقهورين والغلابة.
كما انها صنعت من أولادي رجالا وجعلتهم أكثر تفوقا وإقبالا علي المذاكرة
والحمد لله هم يرضون بأقل القليل, ويحلمون باليوم الذي يتخرجون فيه ويبنون
منزلهم بأنفسهم, يقولون لي احنا لما نكبر هنشتغل ونشتري أرض ونبنيها.
اللهم ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالي.. وإن كان ما بي اختبار فأرجو أن
أكون نجحت فيه, لو كان محبة فزدها عشرة أضعاف أو مائة ضعف أو ألف, كل ما
أرجوه أن تكون ياربي راضيا عني.
> سيدتي... لا أصدق أن بيننا من يحمل في قلبه كل هذه القسوة والرغبة في الإذلال والظلم.. قسوة وإذلال وظلم لمن ومن من؟!
للأبناء والأحفاد ومن أب وأم؟!.. ومن أجل ماذا؟! اكتناز ثروة, إحساس
بالتلذذ أمام انسحاق الابناء وانكسارهم ورضوخهم للظلم حتي لا يكونوا في
الشارع هم وأبناؤهم؟!
سيدتي.. أحييك علي صبرك وايمانك بالله, واعتذر لك عن اختصاري لكثير من
مآسي حياتكم لضيق المساحة, ولكني مبهور برضاك بقضاء الله وقدره, وحرصك علي
الوقوف بجوار زوجك, وحثه علي زيارة أهله وحماية ابنائك بتحفيظهم القرآن
الكريم, وحثهم علي التحدي وتربيتهم علي الرضا والصبر والنجاح.
وثقتي بعدل الله ورحمته لا تقل عن ثقتك به.
وإن كنت أناشد السيد المحترم محافظ القليوبية الاستجابة لرجائك بأن يأمر
فورا بتنفيذ اقتراحات التقارير الهندسية بنقل مسار الشارع الذي يدمر بيتكم
وحلمكم, فإنني في نفس الوقت أناشد الانسان الدكتور محمد فتحي البرادعي وزير
الاسكان والمرافق والتنمية العمرانية باتاحة الفرصة لكم بالوسائل ـ
القانونية ـ بتملك قطعة أرض في محافظة القليوبية, أو شقة آدمية تجمعكم
بالمحبة والرضا.
سيدتي.. لا أخفيك, علي الرغم من استفزازي الكبير من تصرفات والدي زوجك, إلا أن في داخلي شفقة عليهما وهما في هذا العمر..
ومصدر الشفقة هو حزني علي اختيارهما غضب الله وسخطه في الدنيا والآخرة, قد
يعتقد البعض انك مبالغة أو انك وزوجات كل ابنائهم أغضبتموهما أو قصرتم في
حقهما, لكن حتي لو كان هذا حقيقيا, فهذا لا يمنحهما الحق في كل هذه القسوة
والظلم, فإن كنتما تستحقان فما ذنب الأحفاد الصغار؟!
ألا يتذكران قوله سبحانه وتعالي: وأعتدنا للظالمين عذابا أليما؟!
أيحب أحد ألا يحبه الله, يا ويله من يرضي بذلك والله هو القائل في كتابه الحكيم إن الله لا يحب الظالمين.
وأقول لوالد زوجك انك الراعي والمسئول حتي عن طغيان زوجتك وعليك ردها الي
صوابها وعدم إطاعتها في الظلم أو التفريق بين الابناء, فإن عقاب الله حتما
سيلحق بك لانك لم تمنعها ولم ترد الظلم عن ابنائك.
واختم للوالدين بسؤال: ماذا سيبقي منكما بعد الرحيل, الصدقة الجارية ان
قمتما بها, والعلم الذي ينتفع به, والولد الصالح الذي يدعو لكما, فماذا
تتوقعان من أبناء ذاقوا كل هذا الظلم والعذاب؟!
باب التوبة مفتوح, فاغنتنما ما تبقي لكما من عمر, احتضنا ابناءكما
وأحفادكما, وامنحوهما ما حرمتماهم منه, انعما بسعادتهم ولمتهم حولكما, قبل
ان يكون الندم امام رب العالمين الذي حرم الظلم علي نفسه, فكيف يرضاه من
عباده. وإلي لقاء قريب بإذن الله.