ترددت كثيرا قبل أن أكتب إليك
هذه القصة, فقد كنت أظن اني من رجاحة العقل واستقرار النفس ولا أحتاج إلي
أحد وكنت أستهين بمن يكتبون
<="" div="" border="0">
إليك وأظنهم علي سفه لنشر قصصهم علي الملأ.
سيدي لقد ترعرعت في أسرة طيبة فقيرة الحال, من الله علينا بالخير الكثير
بعرق أبي وأمي وشقائهما معنا كنا جميعا بعدها نحسب اننا خير الناس.
لم نصبح أغنياء ولكننا متوسطو الحال, ولكن مقارنة بعائلتنا وجيراننا فنحن
الأفضل... لي3 أشقاء أنا الثانية فيهم كلنا تخرجنا في جامعات عليا هندسة
وتجارة ونعمل في أماكن جيدة, كانت لدينا مشاكل أسرية كثيرة بين أبي وأمي
أسهمت في حلها كثيرا أنا وأختي الكبيرة, وكنا كلما تغلبنا علي إحدي
المشكلات نفخر بنفسنا كثيرا ولكن تلك المشكلات كانت تنحت فينا أسباب الفرقة
والشتات والوهن النفسي.
كنت الأكثر تميزا بين اخوتي بشهادة الجميع دينا وخلقا وعلما ومعاملة
وجمالا, كنت أري المشاكل وتوهن نفسي لها, ولكن بعد تجاوزها كنت انساها
وأعود لاحساسي اننا الأفضل.
تخرجت في الجامعة وكنت أكد واجتهد وابذل الكثير لنفسي وكنت في الوقت نفسه
نعم العون لاخوتي في مذاكرتهم وشئونهم شتي, ونعم العون لأبي في صنعته, وكنت
نعم الصحبة لأمي, ولكن للحق لم أكن أعينها كثيرا في عمل المنزل, وكل ذلك
البذل والتعب لأن غدا أفضل, وكان أبي كثيرا ما يقول اتعبوا دلوقتي بكره
ترتاحوا, ولكن هيهات ليس وراء التعب إلا التعب.
كان الجميع بمن فيهم أنا يتوقعون لي زوجا فوق الخيال ولكن لم يتقدم لي أحد
الا من لا أرضي أنا عنه, وبعد تخرجي بعدة أشهر عملت في أحد مكاتب اساتذتي
بالجامعة, واشتريت سيارة, فبدأ أبي يشعر أنني أكبر فوق مستوي عائلتي, وهذا
سيجعل أي أحد يتردد في الارتباط بي ممن هم في نفس مستوي العائلة, وبرغم
قلقه إلا أن أفعاله كانت نقيضه لمخاوفه, وتقدم لخطبتي مدرس لغة عربية فقير
الحال ولكن لديه شقة, لم أكن أحبه ولكن كنت معجبة بشخصيته, كان متدينا لا
يختلف أحد علي خلقه ورفقه ودينه, قابله أبي, وحينما هممت بالسعادة طارت أمي
الي خالي لتحكي اليه انه لا يمكن ان اتزوج من هذا الرجل, وراحت تعيب علي
شكله, وخلقته, وتقول فيه عيوبا ليس لها بها علم, ورفضه ابي برغم محاولتي
وبكائي لاني أريد أن اتزوج برجل متدين ولكن متفتح.
وبعد عدة شهور تناسيت الأمر وكنت صغيرة وقادرة علي مداواة جروحي الصغيرة,
وتمر سنوات فيها محاولات كثيرة لزواج الصالونات باءت بالفشل, إما رجل ابن
عائلة لا يكافئ ذاتي فلا يقبل بعائلتي البسيطة, وإما أن يكون أقل مني عقلا
وجاذبية فلا أجد نفسي معه, وكنت في هذه الأحيان أكبر في عملي واكتسب مالا
وخبرة حتي عرف عني شدة رجاحة العقل وكان أبي لا يخطو خطوة الا ويستشيرني
فيها.
وبعدها قابلت رجلا هو بعينه الذي أبحث عنه, جذبني اليه بطريقة لم أكن
أتوقعها, كان يقول عني ما أقوله عن نفسي تماما, يتحدث بنفس كلماتي, يقرأ
افكاري واحساسي وهذا ما كان مشهورا عني, ولكنه كان متزوجا من قبل, ولديه
ولد وانفصل عن زوجته, احببته بسرعة ولكنه في هذه الفترة كان يمر بأزمة
نفسية عنيفة جراء طلاقه الذي تم عن طريق المحاكم وقضايا الرؤية وضغوط من
حوله للزواج بأخري, ومع الأسف كان توقيت التعارف بيننا هو نفس توقيت تقدمه
لطلب يد امرأة أخري, وعندما لوحت لأمي من بعيد عن أمره رفضت رفضا تاما ومع
ظروفه السيئة ابتعدت عنه وابتعد عني وعرفت بعدها أنه ترك خطيبته وعاد
لزوجته بعد محاولات أهله لجمع شملهما لأجل ابنه.
وبعد مدة طويلة لم يعد يتقدم لي أحد وانت أعلم بأزمة الزواج, كنت أتمني أن
يعود لي, أو أن أراه ولو قبل أن أتزوج بيوم وتقدم لي آخر ظروفه مشابهة,
منفصل وله طفل, فعرضت الأمر علي أمي وأنا غير راغبة فرحبت ورفضته أنا, حتي
تقدم لي زميل بالعمل وكان من عائلة كبيرة ويعيشون بشقة علي النيل كان أقل
مني تعليما, ولكن عائلته أكبر, وافقت به علي غير اقتناع, فلقد أصبحت مشاعر
الأمومة تلح علي, وكلما تضايقت أقول لنفسي أهي جوازة والسلام ده هيجيبلي
وهيجيبلي, وكلما اقتربت أي خطوة رسمية تراودني أحلام كثيرة عن حبيبي
ويعذبني ضميري بأن قلبي يخون ويعشق غيره, ويشاء الله ان اقابل ذلك الحبيب
مصادفة قبل قراءة فاتحتي بيوم واحد كنت أشتاق اليه كثيرا.
قررت أن أخبر أبي بالحق كل الحق فثار علي ثورة وانقلبت كل حياتي رأسا علي
عقب, وأصررت علي عدم اتمام زواجي وقد كان, ولكن أبي أصر علي تركي للعمل,
وفعلا انقطعت عن العمل5 ايام دون ابداء الاعتذار, حتي وأنا عضو مؤثر جدا في
العمل, أخذوا هاتفي الجوال ومالي وبطاقاتي البنكية وسيارتي وكل شيء ولكن
كنت أشعر بالقوة, وكنت أصبر قليلا ثم أعيد المحاولة معهم, وبعد تدخل خالي
وافقوا علي نزولي للعمل, وطلب مني خالي أن أوافق علي خطبتي للرجل الثاني,
وهو سوف يدبر لي حيلة لإفشال الموضوع وزواجي بحبيبي ولكني رفضت بشدة أن
ارتبط برجل أنا أنوي تركه.
وبعدها بعدة أشهر طلبت العون من أختي في هذه الزيجة وبالفعل قابلت ذلك
الرجل وحاولت اقناع ابي وامي فانقلبا عليها وبدورها انقلبت عليه, ثم أعدت
الكرة وابلغت أبي وامي برغبتي في ذلك الرجل فكانت الطامة الكبري من خلال
بعض المعارف وفضائح له في مكان سكنه بانه يطمع في مالي من وراء اتهامات امي
واخوتي الأولاد المتجبرين والمتكبرين بصحتهم وقوتهم ومالهم, أما أنا فقد
تعرضت للضرب والاهانة والسباب والوان من العذاب لا يمكن ان تتخيلها حتي
اصبحت أكرههم كثيرا, اياما لا أذوق فيها الطعام, حيث لا عمل ولا تليفونات,
أخذوا مالي.. وشهور من الصمت الرهيب عرفوا انني قابلته عند بيته بعض مرات
فزادت ثورتهم فضحوني في كل مكان عملت به اخذوا كل كتبي التي كانت تساندني
في وحدتي مدعين انها من افسدت عقلي, اخذوا الكمبيوتر... ويكرهونني علي
الاتصال به لاخبره ان يبتعد عني, احضروا لي دجالا واجبروني علي المكوث معه,
حاولت الضغط علي ابي كثيرا وكان كلما استجاب وضع شروطا متعنتة, شقة تمليك
باسمي شبكة وووو... إلخ, مما لا يقدر عليه أي شاب.
ويعود اخوتي وامي للضغط عليه فيتراجع عن موقفه تماما, اصبت بانهيار عصبي
من هول ما فعلوه معي, لجأت لطبيب نفسي ليساعدني فمنعوني عنه, أصبحت عصبية
مترددة مهزوزة, كل من يتكلم معي أشعر أنني هشة وضعيفة, مرضت بأمراض شتي,
السكر والضغط, مكثت شهورا في المنزل دون عمل أو أصدقاء, لا أفعل شيئا إلا
الدعاء والرجاء.
وبعد8 اشهر اقتنع ابي بأن أعود للعمل, وعدت بالفعل ولكني عدت لحبيبي أيضا,
وجد كل واحد منا الآخر جريحا مشوه المعالم من هول ما حدث لنا, قررنا ان
يساعد بعضنا بعضا علي تجاوز هذه المحنة, وبعدها قررنا أن نشتري شقة ليعود
حبيبي للتقدم لخطبتي ومعه شقة الزوجية, ولكن في رحلة البحث عن شقة شعرنا
بقمة الشقاء وتمزقت أنفسنا اشلاء وزادت ضغوطنا بسبب حرصنا الشديد علي الا
يرانا أحد معا وعلي انجاز الأمر بسرعة, فما عدت أستطيع ان أعيش بالبيت وعدم
شعورنا بالاستقرار وتحت الضغوط المادية والعصبية أصبحنا نضيق علي أنفسنا
ونربط علي بطوننا ونعمل كثيرا, شابت رءوسنا, وتشققت ايدينا من كثرة العمل
وضعفت صحتنا, والآن حصلنا علي شقة الزوجية وحان وقت المواجهة التالية, سيدي
اشعر بالرهاب الشديد من أهلي, أشعر اني في عنق الزجاجة, وأريد ان أمر ولكن
اشعر بالخوف الشديد, الجأ الي الله كثيرا كي يجيرني من بطشهم, أبحث عمن
يساعدني لافلت من قبضتهم الي حياتي التي رغبتها طوال31 سنة هي عمري.
سيدي اريد ان اتزوج ممن احب, اع ف نفسي واعفه, وانال امومتي التي ترغبها أي فتاة, وانا مسئولة عن اختياري مسئولية كاملة.
سيدي أناشدك بالله ان توصي بأن يخفف الأهل علي الشباب اعباء الزواج, فبسبب
تشديدهم اصبحنا نري عزف الرجال عن الزواج وكثر الحرام والفتن.
سيدي أموت كل يوم من الخوف وأنا أفكر في عرض الأمر علي ابي مرة أخري.
خبرني بربك ماذا أفعل وكيف وهل من أحد يساعدني في أمري؟!
> سيدتي.. والداك مثل كثير من الآباء يعتقدون أن سعادة بناتهم في
الزواج لا تأتي إلا بمن لديه امكانات مادية كبيرة, دون النظر الي عناصر
التكافؤ الأخري, مثل التعليم والمستوي الثقافي والاجتماعي ومعهم بكل تأكيد
الحب إذا وجد, والقبول والانجذاب في حالة عدم حدوثه ـ الحب ـ في البداية.
ولهذا يبدو مفهوما رفضهم لمدرس اللغة العربية انتظارا لعريس ثري يستحقك ـ
حسب وجهة نظرهم ـ أما رفضهم لمن فهمك وأحببته, فيبدو منطقيا إذا نظرنا اليه
بتجرد, فأنت ـ وبشهادتك عن نفسك ـ الأفضل بين اخوتك, جمالا وعلما وخلقا,
فما الذي يجبر بنتا صغيرة بها كل هذه المواصفات علي الزواج بمطلق لديه طفل
ومشكلات مع مطلقته, اضافة الي امكاناته المادية المتواضعة, لا شك ان نسبة
الفشل في مثل هذه الزيجة أكبر من نسب نجاحها, والطبيعي الا يرحب أي والدين
بمثل هذا الزواج, عدم الترحيب أو الرفض مقبولان, أما العنف والحبس والضرب
والاهانة فكلها أساليب مرفوضة ولا تأتي بنتائج ترضيهما, بل علي العكس كل ما
فعلاه أتي علي غير ما سعيا اليه, زادك اصرارا وتمسكا به, جعلا للقصة معني
وللحب قيمة وللتحدي ثمنا مرتجي.
علي الاباء ان يقدموا النصح والتوجيه, خاصة اذا كان الابن راشدا, عاقلا,
لم يعرف عنه التهور أو الاندفاع, أما القرار الأخير فيجب ان يكون للأبناء.
وعليهم ان يتحملوا نتائج اختياراتهم. نحن الآباء اخترنا حياتنا أو أجبرنا
عليها, فليس من الطبيعي ان نختار لأبنائنا أو نجبرهم علي حياة نحن الذين
نرسم خطاها.
علي الآباء ان ييسروا لأبنائهم ويختاران لهم من يرضون دينه وأمانته, لا
نفوذه ولا ثروته للبنات, وذات الدين للأولاد, أما التزيد والاشتراط بشقة
تمليك أو شبكة غالية أو رصيد في البنك, فهذا عكس ما امرنا به الله ورسوله(
صلي الله عليه وسلم).
سيدتي.. تسألينني رأيي.. أتمني ألا تتخذي قرارك من غير ضغط, بتجرد تام,
زواجك بهذا الرجل محفوف بالمخاطر, فظروفه المادية متواضعة ولديه ابن,
فاستخيري ربك, فإذا ارتحت إلي قرارك, علي ألا تطغي مشاعرك علي عقلك وايقنت
انه يراعي ربه, غير ظالم ولا مندفع, اي انه لم يظلم مطلقته وان اسباب
الطلاق ليست لسوء خلق أو بخل وعنف, أو صد وهجر, فاصري علي موقفك واطلبي منه
ان يتقدم مرة أخري ولتشركي خالك معك, واناشد والديك ان يقولا لك ماشاء من
نصح وتوجيه ثم يتركا لك القرار الأخير, ولتجني ثمار اختيارك الذي ندعو الله
ان يكون صائبا وان يكون هذا الزواج جديرا بحبك وتضحيتك, وقبل كل شيء ادعي
الله في كل صلاة ان يرزقك الخير ويهديك الصواب ويبعد عنك هوي النفس وسوء
الاختيار
الاهرام.