المادة الثانية هي التي كفلت الحرية الدينية في الأحوال الشخصية للمسيحيين
مفكر قبطي: المادة الثانية من الدستور أنقذت الكنيسة من أزمتها مع الدولة.. ولولاها لوصلت الأمور بينهما إلى طريق مسدود
الدكتور رفيق حبيب
كتب: محمد أبو المجد (المصريون) | 30-06-2010 01:05
أكد المفكر القبطي الدكتور رفيق حبيب أن مرجعية الشريعة الإسلامية، التي تحظى بهجوم قبطي وكنسي واضح يطالب بإلغائها من الدستور المصري، هي التي أنقذت الكنيسة من ورطتها الأخيرة مع الدولة ومؤسسة القضاء، إذا أن الشريعة الإسلامية تعطي الحق لأتباع الديانات الأخرى للاحتكام إلى تعاليم دينهم في حياتهم، وبذلك فهي تعطي الكنيسة حق الولاية الدينية المطلق على أتباعها.
وأضاف حبيب، في مقاله الذي تنشره "المصريون" في افتتاحيتها اليوم، أن الدولة لم تجد ملاذا إلا الاحتكام للشريعة الإسلامية لتجنب حدوث مواجهة مع الكنيسة التي هددت بالتصعيد بلا سقف، لأن حكم القضاء الأخير في مسألة الزواج الثاني، كان سيجعل الكنيسة – إن نفذته – مخالفة لتعاليم الإنجيل، كما يؤكد البابا شنودة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى سقوط شرعيتها بالكامل وانهيار مكانتها، كمرجعية دينية للأقباط.
واعتبر رفيق حبيب أن الكنيسة هي التي دفعت الدولة للاحتكام إلى الشريعة الإسلامية في الأزمة الأخيرة، بعد ما فشلت في إيجاد حل لتلك الأزمة في القانون الوضعي العلماني ، وبعد أن ظلت النخبة الحاكمة تعلي من شأن التزامها بالمادة الأولى من الدستور ومبدأ المواطنة، وهي المادة التي عدلت لمغازلة الأقباط والكنيسة، وبعد الكثير من الهجوم القبطي والكنسي على المادة الثانية من الدستور والخاصة بالشريعة الإسلامية، إذا بالدولة تلجأ للمادة الثانية من الدستور من أجل الأقباط والكنيسة، بعد أن طالبت الكنيسة بالاحتكام للشريعة الإسلامية في الخلاف بينها وبين الدولة، حول مدى أحقيتها في طلب تعديل قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، ولفت إلى أن الكنيسة تمارس ضغطا مباشرا على الدولة لتلزمها بالمادة الثانية من الدستور.
وأكد أنه لولا مرجعية الشريعة الإسلامية التي تعطي لغير المسلم حق الاحتكام لشريعته، لكانت الكنيسة في وضع المؤسسة الخارجة على الدستور والقانون.
غير أن هناك ثمة مفارقة يلفت لها رفيق حبيب في مقاله، فالكنيسة استطاعت الضغط على الدولة كي تحقق ما تريد، وهو حق لها بمقتضى الشريعة الإسلامية، ولكن المأزق الذي وقعت فيه الدولة ليس هينا، فقد أصبحت الشريعة الإسلامية مبدأ مجمدا، ولم يتم تحريكه إلا لحماية حقوق المسيحيين طبقا للشريعة الإسلامية، وكأن الشريعة لم توضع أصلا لتنظيم حياة الجماعة المسلمة، ومن ثم تنظيم حياة الجماعات الدينية الأخرى، التي تنتمي للدولة الإسلامية.وطالب حبيب بأن تطبق الشريعة الإسلامية على المسلمين، لأن ذلك أولى، وعلاوة على ذلك فإنه مطلب غالبية الجماعة المسلمة.
ويرى حبيب أن الدولة لم تجد حرجا في تطبيق الشريعة الإسلامية في شأن مسيحي، فهي تعلم أن ذلك لن يؤدي إلى أي نقد غربي، ولا أي نقد من مؤسسات حقوق الإنسان الغربية والمحلية، ولكن أي تطبيق للشريعة الإسلامية في المجال العام، سوف يقابل بنقد من العديد من الجهات الممثلة للوبي الغربي في مصر.
الأهم من ذلك، كما يرى رفيق حبيب، أن النخبة الحاكمة نفسها لا تريد تطبيق الشريعة الإسلامية، لأنها تفسد عليها تحالفها مع الغرب، وتعرقل استبدادها، وتمنع فسادها، وتلزمها بمرجعية المجتمع، كما تلزمها بمرجعية عليا، تحد من سلطاتها وتجبرها على الالتزام بمنظومة قيم محددة.
مخاوف الكنيسة، تتمثل بحسب رفيق حبيب، في أن الشريعة الإسلامية حين تطبق في حياة الجماعة المسلمة، سوف تطبق في المجال العام، وهو ما تعترض عليه أصوات كنسية وقبطية، فالإسلام ليس له مجال خاص، مثل الكنيسة في المسيحية، والمسلمون جماعة أغلبية وليسوا جماعة قليلة العدد. فلا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين في مجال خاص بهم وهم الأغلبية، والإسلام ليس له مؤسسة تدير الشأن الديني، وتحتكر النشاط الديني مثل الكنيسة.
وبذلك المفهوم، يؤكد حبيب، أصبحت الشريعة، متمثلة في المادة الثانية من الدستور، تخص الجماعة المسيحية، وفي ذات الوقت ترفض أكثر ما ترفض من الجماعة المسيحية أيضًا. وأصبحت الشريعة عنوانا تهرب منه الدولة في مواجهة المسلمين، وتحتمي به الدولة لحل مشكلاتها مع المسيحيين. وهكذا تصبح الأمور في غير نصابها، مما يؤدي إلى حالة متناقضة، وهو ما ينذر بحالة اضطراب داخل بنية المجتمع، ويؤذن بمرحلة تتعمق فيها العلاقات الملتهبة بين الدولة والكنيسة والجماعة المسلمة. طالع مقال رفيق حبيب في افتتاحية المصريون اليوم.